تعلم الحمرنة في خمسة أيام بدون معلم

فؤاد حميرة

لا يحتاج المرء إلى كثير عناء ليتعلم كيف يكون حماراً في خمسة أيام وبدون معلم، يكفي أي شخص أن يقلد زعيمه السياسي في المأكل والمشرب والكلام والسلوك ليجد نفسه حماراً وليكتشف أن التحول إلى حمار يكفي فقط أن يتشبه بأي قائد أو زعيم، وهذه الحمرنة لا تأتي من كونها تشبّه فقط، وإنما من كونها نوع من التقليد للأصل، سيكتشف المواطن العربي أن زعيمه حماراً بمجرد أن يقلده.

 في مسرحية (لكع بن لكع) للكاتب الفلسطيني إميل حبيبي يقدم المؤلف وصفة مغايرة لـ(الحمرنة) فيقول أنه يكفي المواطن العربي أن يضع على طرفي رأسه أذنين طويلتين ليبدو كالحمار، والمؤلف هنا لا يقصد التشبه بالسياسيين وإنما محاولة من المثقف العربي للظهور بمظهر الحمار، ذلك أن تلك الصورة (الحميرية) تحميه من كثير من المصائب، فهي على الأقل تبعد عنه رجال الأمن ويأمن من الاعتقال والتحقيقات وزيارات المراكز الأمنية، كما أن ظهور المثقف بصورة الحمار – وفقاً لحبيبي – من شأنه أن يفتح للمواطن كل أبواب الرزق والمعيشة وتدخله باب العلاقات الهامة من بابها الواسع.

مسرحية أخرى جاءت على ذكر التشبه بالحمير، ونقصد مسرحية (الطاعون يعسكر في المدينة) للكاتب الفراتي سامي حمزة، حيث يعلن الكاتب على لسان وزير إعلام السلطان حين ينكشف سر السلطان بأن له قرنين كقرني الماعز (ما أجملنا ونحن نشبه مولانا السلطان) فيضع على رأسه قرني ماعز داعياً الجميع لتقليده وتقليد السلطان الذي يقتل كل من يكشف سره.

إذاً للحمرنة مكانتها في المجتمعات العربية، فالكثير منا يضع على رأسه أذنين طويلتين ليبدو حماراً كي يريح نفسه وعقله من مشاكل لا تعد ولا تحصى، وبعضهم الآخر يضع قرني ماعز كي يفتح أمامه مجالات العمل والحياة والمال، والبعض الآخر يفضل الظهور بمظهر الحمار اتقاء شر الحاسدين.

التشبه بالحمار يشبه فكرة عدم ذكر النعم التي يملكها المنعم كيلا يتعرض للحسد، فيصر على الظهور بمظهر الفقير أو ينكر النعم التي يعيشها ويتلقاها اتقاء (شر حاسد إذا حسد).

وبلغت أهمية الحمار في حاضرنا درجة دفعت بمطرب شعبي اسمه (سعد الصغير) أن يخصص له أغنية دوخت العالم انتشاراً وشهرة (بحبك يا حمار) وطبعاً لم يكن الصغير الأول ولن يكون الأخير الذي يغني ويلحن للحمار.

من هنا ينبغي على من أراد أن تنفتح أمامه مجالات الحياة والعمل أن يمثل دور الحمار الذي لا يفهم شيئاً أو الماعز المطيع الذي يسير ضمن القطيع على نسق يختاره الراعي، ويحاذر الخروج عن القطيع عملاً بالمثل العربي القائل (الشاة التي تنشق عن القطيع يأكلها الذئب).

وما عليك سوى النظر إلى أي فيديو يظهر فيه رجل سياسة وتتابعه حتى تكتشف أن الوصول إلى مرحلة الحميرية مهمة ولا أسهل. في عام 1932 أسس الأديب زكي طليمات (جمعية الحمير المصرية) وبلغ عدد أعضائها 35 ألفاً، وكان من ضمن أعضائها البارزين في عالم الأدب عباس محمود العقاد والفنانة نادية لطفي والفنان سيد بدير الذي شغل منصب أحد مدراء الفرق المسرحية التابعة للدولة، ومن الطرائف التي يذكرها التاريخ عن أعضاء تلك الجمعية أن أحد أعضائها، رشدي إسكندر، أعطى بطاقة معايدة لرئيس الجمعية قائلاً: “مع خالص نهيقي أيها الحمار العزيز, كل عام وأنت بخير”. كما كتب المرسي خفاجة الذي تولي رئاسة الجمعية في وقت من الأوقات لزوجته (السيدة الحمارة حرمنا برجاء تسليم أكفان موجودة لحامله. مع خالص نهيقي).

وفي سوريا أيضاً تأسست جمعيات للحمير كان على رأسها ومن أشهرها (جمعية حمير القامشلي) تلتها بعد فترة وجيزة (جمعية حمير عامودا) ويوصلنا هذا الاهتمام بالحمير وجمعياتها إلى المقولة السابقة (لتكون صاحب منصب عليك أن تكون حماراً أو أن تمثل دور الحمار).

وبعد الحديث عن الجمعيات لم يتبق إلا تأسيس معاهد لتعليم الحمرنة في خمسة أيام ينال الخريجون بعد فترة الدراسة القصيرة درجة حمار تتناسب مع جهده وعمله خلال الامتحانات، فيكون حمار مع مرتبة الامتياز أو حمار متوسط (وهو الأوفر حظاً) أو حمار مقبول.

ولا غرابة إن تسابقت المدارس الدولية لافتتاح أقسام تدرس الحمرنة، أما بالنسبة للجامعات فهي تدرس هذا الاختصاص منذ زمن ولكن بيافطات مختلفة ومغطاة بشعارات علمية، لذلك يتباهى الفنان محمد صبحي في مسرحيته الشهيرة (وجهة نظر) بأنه أُمِّي وأنه لم يتعرض للتخريب والحمرنة في المدارس.