دمشق ـ نورث برس
صدر هذا العام كتاب “العلوين في سورية”، عن منتدى العلاقات العربية والدولية في الدوحة، وهو عبارة عن دراسات وأبحاث قامت بها ورشة العمل الدولية التي نظمتها “مجموعة لبنان وسوريا” في معهد الدراسات الشرق أوسطية في جامعة كينغز كوليدج لندن عام 2014. وحرره مايكل كير وكريغ لاركين” وترجم الكتاب إلى العربية رضوان زيادة وأحمد العبدة.
وحول هذا الكتاب قال أحد النقاد وهو دكتور في العلوم الاجتماعي والإنسانية، فضّل عدم ذكر اسمه، لنورث برس: “هناك جهد مبذول واستقصائي في هذا الكتاب، لكن، ومع الأسف ظهرت عبارات الكراهية والتحريض عليه منذ البداية، حيث وصف العلويين في أكثر من مكان باللصوص وقطاع الطرق”.
كما اعتبر الكتاب، أن “التلقين، الذي يقصد بها تعليم الدين العلوي للناشئين، انتقل بعد أحداث سوريا، إلى تحريض وتوجيه الشباب للالتحاق بالجيش والدفاع عن النظام، وهذا الافتراض يفتقر إلى المصداقية العلمية, ويبقى ضمن الافتراض والتخيل”، بحسب الناقد.
ورأى أن الكتاب طيلة عرضه، ركز على تمرير مقولة الأكثرية والأقلية بدلاً من التركيز على خطاب وطني جامع، وكما استطاع أن يهرب معلومة فقيرة القرينة، بأن العلويين طارئين على سوريا، وتعود أصولهم إلى العراق، وهذا الخطاب الإقصائي تم استخدامه ضد بعض الإثنيات في سوريا.
ووجد أن الكتاب، أيضاً، يروج لمقولة “الحرب الأهلية السورية ومررها كمصطلح واقعي، وهذا يجافي الحقيقة تماماً، فالتعايش في سوريا لم يزل قائماً”، وهناك عشرات، بل آلاف العائلات السنية التي نزحت إلى الساحل السوري، ومازال أغلبها موجوداً حتى الآن، لا بل استقروا هناك، وفتحوا لهم مشاريع وأعمال مختلفة.
ويدخل الكتاب في سياق الدراسات والأبحاث التي صدرت في السنوات الأخيرة، وتناولت الطائفة العلوية في سوريا ولبنان، وكيفية صعودها ووصولها إلى الحكم في سوريا.
كما يسلط الضوء على النقاط التكوينية لهذه الطائفة في القرن العشرين. وتضمن بالتحليل “تركيبة النظام وطبيعته، والتحدّيات التي واجهته في صراعه للاحتفاظ بالسلطة”، وذلك كي يضع ما يسميها “التجربة المعاصرة للمجتمع العلوي في سياقه التاريخي”.
وجاء هذا العرض عبر تقديم دراساتٍ لمختلف الجوانب الدينية والتاريخية والاقتصادية والسياسية للطائفة العلوية، والتغيرات والتطورات التي شهدتها، بدءاً من تكويناتها الأولى في مجتمع ريفي مغمور أواخر العهد العثماني، مروراً بمرحلة الاستقلال السياسي تحت الانتداب الفرنسي، ثم الهجرة إلى المدن، والتطور الاجتماعي والاقتصادي في سوريا الاستقلال، ووصولاً إلى تولّي الريادة السياسية مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة بانقلاب عسكري.
وتوقف الكتاب مطولاً عند “الثورة السورية والتعامل العنفي للنظام معها، وما تبعه من تدويل الأوضاع في سوريا وتحوّلها إلى صراع عسكري، لذلك فإن رؤية الوضع في سوريا من منظور طائفي أو تدخل الأطراف الأجنبية تشوّه تعقيدات الوضع السوري، وتلقي بظلالها على التجربة المعاصرة للمجتمع العلوي وردود أفعاله المتباينة حيالها”.
وقد أفضت هذه الرؤية إلى فهم خاطئ للطائفية على أنها جوهر الصراع السوري، وأنه ينبغي النظر إليها بوصفها المكون الأساس للهوية السورية، وأنها تلقي بظلالها على كل النضالات السياسية والاجتماعية والثقافية في سوريا الحديثة، بحسب ما جاء في الكتاب.
وركز الكتاب على “عملية تحشيد النظام لأبناء الطائفة، وكيف حولهم إلى فصيل مقاتل ورديف للجيش، عبر خطاب إعلامي حمل لهم الكثير من الخوف فيما لو تم إسقاط النظام، قد يصل إلى استئصالهم تماماً من المجتمع السوري”.
واعتبر الكتاب أن الحرب في سوريا “تحولت إلى حرب أهلية، تفاقمت وحملت نتائج كارثية على الجميع”.
وأرجع الكتاب الوجود العلوي في سوريا إلى أكثر من ألف عام، واعتبر أن أصول العلويين تعود إلى العراق، وهم عبارة عن طائفة انشقت عن الشيعة واتبعت محمد بن نصير، مما حدا إلى نعتهم بالنصيريين.
وكان لتسمية “النصيريين” وقع سلبي كبير عليهم, فتم استبدالها بالعلويين، نسبة إلى الإمام علي بن أبي طالب، وحدد نسبتهم 12 بالمائة، ويشكلون أغلبية سكانية في محافظتي طرطوس واللاذقية المحاذيتان للبنان وتركيا.
وقد مر الكتاب على تاريخ العلاقة بين العلويين والسلطة العثمانية، ذاكراً الصعوبات والملاحقات، في مكان, ونفيها في مكان آخر.
واعتبر أنهم كانوا يدفعون الضريبة عبر وكلاء للسلطنة، وهي عبارة عن درهم على كل رجل. وهي مأخوذة من العصر المملوكي.
ثم كيف حاول الفرنسيون استمالتهم، بعد زوال السلطة العثمانية، وتطويع نسبة كبيرة منهم في الجيش، الذي شكل القاعدة الأساسية للجيش السوري الوطني، واعتبر أن ذلك يفسر زيادة نسبة العلويين في الجيش.
وأسهب الكتاب في الحديث عن التحشيد الطائفي العلوي خلال الحرب، واستعرض قوات الدفاع الوطني، والقوات الرديفة، وركز على تدريبها ودعمها من قبل إيران، واعتبر الحرب في سوريا حرباً أهلية، استطاع النظام أن يحشد الطائفة العلوية للدفاع عنه، عبر التخويف من البديل الأصولي المتطرف.
وعرض الكتاب آراء متطرفة للإخوان المسلمين وفصائل إسلامية أخرى متشددة، أخافت العلويين والطوائف الأخرى من الأقليات والأديان والمذاهب، “وبالتالي شكلت رديفا قويا للنظام، وساهمت في الحفاظ عليه، واستثمار ذلك سياسياً وشعبيا”.
كما تناول الكتاب العلويين في لبنان، ونسبتهم المتواضعة، ووجودهم في مواجهة سنة متشددين في مدينة طرابلس، والحديث عن منطقة تمركزهم في جبل محسن، ومن ثم تشكيل الحزب العربي الديمقراطي، ودعمه من قبل رفعت الأسد مركزاً على تبعيتهم وتبعية الحزب إلى سوريا.
وتحدث الكتاب مطولاً عن الأحداث في سوريا، منذ صفحاته الأولى وحتى الخاتمة، وتابع مجرى الأحداث والحرب السورية، وكيفية التعامل معها، وركز طويلاً على موقف أبناء الطائفة العلوية، وشدد في المحصلة على “وقوفهم إلى جانب النظام خوفاً ورهبةً”.
وذكر الكتاب عدداً كبيراً من أسماء لشخصيات سياسية معارضة ذات أصول علوية، وتابع مسيرتها، إلى النهاية حيث أن بعضها تابع في صفوف المعارضة، وبعضها تراجع بُعيد ارتفاع صوت التشدد السني وخطابه الطائفي الإقصائي.