توطين دائم.. هاجسٌ يؤرق نازحين في مخيمات إدلب

إدلب- نورث برس

لم يخفِ ربيع اليوسف (43عاماً) وهو اسم مستعار لنازح في مخيمات دير حسان الحدودية شمال إدلب، خيبة أمله في العودة إلى مدينته معرة النعمان، منذ أن بدأت تركيا بتوطين النازحين في مخيمات إسمنتية.

وتشهد المناطق الحدودية شمال إدلب حركة إعمار كبيرة؛ من بناء مخيمات إسمنتية وتعبيد طرقات بهدف توطين نازحين ومهجرين، الأمر الذي يبدد آمال الآلاف منهم في العودة إلى مدنهم وأرزاقهم التي تركوها مرغمين، وسط ما يرونه خداعاً تركياً لهم.

آمال متبددة

وبعد حصوله على منزل إسمنتي في إحدى المخيمات المتناثرة على امتداد الحدود السورية التركية من جهة إدلب، والتي تشرف عليها منظمات تتبع لتركيا، بدأ ” اليوسف” بنقل أثاث منزله.

يقول بنبرة يشوبها الحزن: “سوف نغادر هذه الخيمة إلى منزلنا الجديد؛ يبدو أن بقائنا في هذه المخيمات سيطول”.

ويبلغ عدد المخيمات التي شهدت حركة عمرانية قرابة 50 مخيماً، أشرف على بنائها منظمتي الهلال الأحمر التركي، ووقف الديانة التركي، تهدف لتغيير ديمغرافية المنطقة بحسب السياسة التي تنتهجها تركيا في شمال غربي وشمال شرقي سوريا.

وتتوزع هذه المخيمات في مناطق قاح وأطمة ودير حسان، ومشهد روحين، ويحتوي كل مخيم على ما يقارب600 كتلة سكنية، وفقاً لتقارير صحفية.

وأشار ” اليوسف” إلى أن سكنه في خيمة قماشية كان يشعره بشيء من الأمل في العودة إلى منزله الذي تركه مرغماً بسبب العمليات العسكرية الأخيرة جنوب إدلب، إلا أنه بات يرى الآن في نزوحه “موطن إقامة دائمة”.

تواطئ وتخاذل

ويرى مصطفى الشاهين (33عاماً) وهو اسم مستعار لنازح من مدينة خان شيخون أن هذه المساكن إن دلت على شيء فهي تدل على “تواطئ وتخاذل الجانب التركي. وعوده بإعادة النازحين الذين باعوا أرزاقهم ومنازلهم للحصول على امتيازات في بعض الدول والمناطق الأخرى”.

“مابدنا بيوت في هذا المنفى” يقول “الشاهين”، ويضيف: “فقط نريد العودة على أراضينا إلي سرقوها”.

وبدأت تركيا في هذه المشاريع في محاولة منها “لصرف أنظار آلاف النازحين عن مطالبهم وحقهم في العودة، والتي من المفترض أن تكون ضامناً لها، إلا أنها باتت ضامناً لبيعها مقابل مصالحها الخاصة”، بحسب “الشاهين”.

ومعظم هذه المشاريع تقام في مناطق وأماكن نائية وجبلية لا تصلح للعيش، ولكن النازحين باتوا يفضلونها على الخيام القماشية التي لا تقييهم حر الصيف ولا برد الشتاء” بحسب ما ذهب إليه “الشاهين” في حديث لنورث برس.

وتنتشر عشرات المخيمات والكتل الإسمنتية على امتداد الجبال المحاذية للحدود السورية التركية، حيث تشهد هذه المخيمات كثافة سكانية عالية وتكتظ بآلاف النازحين من مختلف المناطق والمحافظات السورية.

فيما لم يتفاجأ سعيد الأحمد (35عاماً) وهو اسم مستعار لنازح في مخيمات أطمة الحدودية شمال إدلب، من هذه الحركة العمرانية في المخيمات.

وقال إن “قوات النظام وحليفتها روسيا، لم تكن لتتقدم شبراً واحداً في المناطق التي سيطرة عليها اليوم إلا بالتنسيق مع تركيا”.

وأضاف “الأحمد” أن ما يحدث اليوم من بناء المخيمات الإسمنتية هو “أمر طبيعي لتأمين مساكن دائمة للنازحين، وذلك لكبح موجات الهجرة تجاه الأراضي التركية، بعد أن عملت على تشريد آلاف المدنيين في العراء”.

من جهته حذر بلال الزريق (28عاماً) وهو اسم مستعار لناشط إعلامي مقيم في مدينة إدلب، من خطورة هذه المواطن على المدى البعيد.

وأشار إلى أن “النازحين سيخضعون للأمر الواقع ويتخلون عن مطالبهم المحقة في العودة إلى مدنهم وقراهم”.

تتريك المنطقة

قال السياسي المعارض مهيب صالحة والمقيم في السويداء جنوبي سوريا، إن “تركيا تعاني أوضاعاً اقتصادية متخلخلة الآن، وهي ترغب بتحقيق انتصار في سوريا يحمي حكومتها الإسلاموية من ضغوطات الداخل”.

ولكن أي تواطؤ من قبلها في إدلب مع روسيا وإيران سواء بعملية عسكرية أو سياسية “لا تأخذ منها سوى قبض الريح بعد انكشاف دورها التخريبي الداعم للإرهاب”.

ويأتي في هذا السياق “كل محاولات حكومة الإخوان التركية لتتريك المناطق التي تحتلها والجماعات الإسلامية الخاضعة لها سواء توطينها في إدلب وريف حلب الشمالي أو بناء جدار عازل على طول الحدود من ريف اللاذقية الشمالي حتى جرابلس وعفرين أو سطوة رموز ومناهج تركية على عموم الحياة هناك”، بحسب السياسي المعارض.

وأضاف: “في حال نجحت كل المساعي التركية في سوريا، فيصبح صمت حكومة دمشق حيال محاولات التتريك، أمراً مريباً”.

ويثير صمت حكومة دمشق، بحسب “صالحة” تساؤلات عدة منها: “هل قبل النظام بحصته من سوريا المقسمة فعلياً رغماً عنه؟. أم أنها مناورة تكتيكية لكسب المزيد من الوقت، له ولحلفائه لإعادة ترتيب وتموضع القوى في عموم الشمال السوري؟”.

وأعرب صالحة عن اعتقاده في أن “سيناريو إدلب رغم تعقيدات الوضع فيها سينتهي كما انتهت إليه مناطق خفض التصعيد السابقة بتسليمها للشرطة الروسية وانحسار الدور التركي هناك سواء بعمل عسكري محدود أو بعملية سياسية”.

إعداد: سمير عوض/سامي العلي – تحرير: فنصة تمو