دمشق ـ نورث برس
توفي المخرج برهان علوية في التاسع من الشهر الماضي، عن عمر يناهز الـ80 عاماً، تاركاً وراءه بصمة إبداعية في الكتابة والإخراج السينمائي. وثق في أفلامه صورة المجتمع الإنساني في لبنان وسوريا، وفي العالم العربي، بكل تجلياته الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، وإشكالية الحرب، وقضية الهوية والمنفى، فأغنى السينما بتجربة مميزة وفريدة.
ونشر المخرج السوري محمد ملص عبر صفحته الشخصية كلاماً في حق “علوية”: “سلاماً برهان علوية، وأنت تنسحب من عالمنا، لكن السينما السورية، وأنا، لن ننساك أبداً.”
وأضاف “ملص”: “أنت من فرسانها الذين رحلوا أيضاً، من توفيق صالح إلى نبيل المالح إلى عمر أميرالاي، ما جمعكم بذاك هو الالتفاف العميق والأساسي في الرؤية، والتفكير وفي توجّهكم إلى الواقع، بألوانه الحقيقية في موجة بهية من السينمائيين العرب في مصر والجزائر والمغرب”.
وكتب أيضاً: “أسّست لنا ومن خلال مهرجان دمشق لسينما الشباب ما أسميتموه ببيان السينما البديلة الذي صوّب لنا توجّهاً في العمل كجيل سينمائي. كان ذلك في زمن سعت فيه السينما السورية للبحث عن نفسها”.
ولد برهان علوية في أرنون في قضاء النبطية في الجنوب اللبناني، عام 1941، وتوفي في التاسع من أيلول/ سبتمبر عام 2021 في بلجيكا.
ودرس الإخراج السينمائي في بروكسل (بلجيكا)، وتخرّج منها في العام 1970. كما عَمِلَ أستاذاً محاضراً في الجامعة اليسوعية، واختير عضواً في لجان عدة مهرجانات منها قرطاج وكازابلانكا وبروكسل.
وبدأ المخرج الراحل حياته الفنية بإخراج فيلم عن حسن فتحي المعماري المصري المعروف الذي لقب بمهندس الفقراء، حمل الفيلم عنوان “لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء” 1978، وأكمل مسيرته بفيلم “بيروت اللقاء” عام 1982 و”رسالة المنفى” عام 1990 وفيله الأخير “خلص” عام 2006، كان قد أنجز فيلمه الروائي الطويل الأول، “كفر قاسم” سنة 1974، من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا.
نال علوية جائزة مهرجان الفن والتراث في بروكسل سيناريو وإخراج فيلم “لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء”، كما نال جوائز عديدة منها أفضل سيناريو ومونتاج عن فيلمه “خلص” في مهرجان دبي، بالإضافة إلى ثلاث جوائز عن سيناريو وإخراج فيلم “كفر قاسم”.
وحول أهمية “علوية”، تقول راما ذكرى، (36 عاماً)، لنورث برس: “أدرس النقد السينمائي في بروكسل، وأتيت إلى سوريا، ومنها إلى لبنان، للبحث عن تأثير أفلام المخرج برهان علوية، فهو محور اهتمامي منذ بداية اهتمامي بالسينما”.
وأضافت “ذكرى”: “في زحمة الحديث عن الفيلم السياسي لابد وأن ينهض هذا السؤال، هل المقصود بالفيلم السياسي هو أي فيلم، مما أنتج وينتج، يتناول موضوعاً سياسياً بصرف النظر عن منطلق واتجاه وهدف هذا التناول؟ أم أن المقصود هو نوع معين من الأفلام، يتناول مادة سياسية ويعالجها من وجهة نظر سياسية علمية، وبمنهج جدلي؟”.
وبرهان علوية هو المخرج الذي وفق بين الحالتين، بين الفن المركَّب، أي، بين الإخراج والنص والحوار والصورة، وبين الفهم الثقافي العميق للسياسة والمنهج الجدلي، كما تقول “ذكرى”.
بدوره، تحدث رائد رضوان، (41 عاماً)، وهو أحد طلاب المخرج برهان علوية في الجامعة اليسوعية، “لا أعتقد بوجود فرق بين السينما التسجيلية والروائية، عند علوية، أظن أن السينما، عند علوية، هي الرواية، ودون التوسع في هذه النقطة أحب أن أقول على هامش الملاحظة أن فيلم كفر قاسم كان المكان، والشخصيات، وليس ديكوراً وهذا ما قد يحمله كصفة تسجيلية”.
ويشير “رضوان” إلى أن تصوير المكان بالنسبة لـ”علوية” هو تصوير الشخصية، فالمكان في هذا الفيلم لا يمكن أن يحمل معنى سوى أنه مكان داخل الفيلم وليس خارجه.
وأضاف: “كان علوية يخبرنا أن أي فيلم إذا لم يكن خزاناً للذاكرة السينما فلا فائدة منه، فالقيمة الفنية والفكرية تأتي مع الوقت، وبالتالي يكون الفيلم قادراً على تقديم هذه الذاكرة”. وأشار “رضوان” إلى أن المخرج علوية “علَّمه أن الصورة الفوتوغرافية هي أرض الذاكرة”.
وفي وفاته، قال أحد النقاد: “عندما بلغني نبأ الوفاة، حزنت كثيراً، مثلما حصل لي مع آخرين من أصدقائي المثقفين في لبنان والعالم العربي الذين غادروا واحداً تلو الآخر”.
وأشار: “هذا هو الحال بالنسبة إليّ وبالنسبة للشعب اللبناني والشعوب العربية، خاصة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا التي تنهار فيها البلدان، والقيم الإنسانية”.