أطفال في إدلب يعملون في تهريب البشر تحت إدارة مهربين

إدلب نورث برس

على شرفة منزله المقابل للحدود السورية التركية شمال إدلب، شمال غربي سوريا، يجلس الطفل ناصر الأحمد البالغ من العمر 15 عاماً على كرسيه الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة وذلك بعد أن أصيب برصاصة قناص أطلقها حرس الحدود التركي أثناء محاولة الطفل إدخال مجموعة من الأشخاص إلى الأراضي التركية بطريقة “غير شرعية”.

ويعمل عشرات الأطفال من سكان المناطق الحدودية مع تركيا شمال إدلب، كـ”دليل” للأشخاص الذين يريدون اجتياز الحدود السورية التركية، نظراً لمعرفتهم بطبيعة المنطقة وتضاريسها وحفظهم لكافة الطرقات في المنطقة الحدودية.

ويقوم المهربون بإرسال طفل “كدليل” مع كل مجموعة أشخاص للعبور إلى الأراضي التركية.

ويتعرض هؤلاء الأطفال مع الأشخاص الذين يجتازون الحدود، في كثير من الأحيان للاستهداف بالرصاص من قبل الجندرمة التركية، إضافةً إلى تعرضهم للضرب والتعذيب في حال تم الإمساك بهم، وذلك وفقاً لعدة أطفال التقت بهم نورث برس.

“حاجة للمال”

وعلى الرغم من خطورة هذا العمل الذي أودى بحياة أطفال وإصابة آخرين، إلا أن العديد منهم لا يزالون يعملون في هذه المهنة، نظراً لسوء أوضاعهم المعيشية والاقتصادية.

وبلغ تعداد الأشخاص الذين قتلوا برصاص قوات الجندرمة منذ بداية الحرب السورية حتى شهر حزيران/ يونيو الماضي  476 مدنياً، بينهم 86 طفلاً دون الثامنة عشر، وفقأً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

ومنذ ثلاثة أعوام، اضطر “الأحمد” الذي يتحدر من منطقة حارم شمال إدلب، لترك مقاعد الدراسة، وذلك “بسبب حاجة عائلتي الماسة للمال، إذ أخبرني أحد المهربين الكبار من سكان قريتي أنه يحتاج لطفل دليل يقوم بإدخال الأشخاص إلى تركيا مقابل 25 دولاراً في كل مرة أتمكن بها من إدخال المجموعة”.

ووجد الطفل حينها العرض “مغرياً”، كما أنه يعرف جيداً جميع طرق التهريب المناسبة وذلك لأنه يتحدر من قرية لا تبعد سوى أمتار قليلة عن الحدود التركية، ومنذ ذلك الوقت بدأ عمله كدليل للأشخاص الذين يريدون الوصول إلى تركيا.

وبحسب أطفال التقت بهم نورث برس فإنه قبل عامين كان العمل جيداً وكان من السهل دخول الأراضي التركية، إلا أن الأمر بات يزداد صعوبة في كل مرة بسبب التدقيق الكبير من قبل حرس الحدود التركي الذين باتوا يطلقون النار بشكلٍ مباشر.

يذكر “الأحمد” أنه كان شاهداً بنفسه على مقتل وجرح العديد من الأشخاص من بينهم نساء وأطفال.

وفي إحدى المحاولات وعند محاولته إدخال مجموعة مؤلفة من 34 شخصاً، تعرضت المجموعة لإطلاق نار مباشر من قبل حرس الحدود، وكان الطفل “الأحمد” من بين المصابين الخمسة.

ويضيف الطفل: “استقرت رصاصة في العمود الفقري ما أدى إلى تغيير حياتي كاملة، وبتُّ اليوم عاجزاً عن المشي والحركة”.

ويعمل لدى رامي الغزال (37 عاماً) وهو اسما مستعار لأحد المهربين، نحو 15 طفلاً وتختلف أجورهم حسب طبيعة كل منطقة يجري منها التهريب، إذ تتراوح بين 15 و75 دولار أميركياً.

 ولا يرى “الغزال” تشغيل الأطفال في هذه المهنة الخطرة والصعبة، “استغلالاً” كما يتهمه بعض السكان، “لأني أعطي هؤلاء الأطفال أجوراً عالية مقابل عملهم”.

أطفال مفقودين

وأواخر آب/ أغسطس الماضي، قتل مدني وأصيب آخرون، جراء إطلاق الجندرمة التركية النار عليهم أثناء محاولتهم اجتياز الحدود السورية التركية شمالي إدلب.

ومطلع 2019، فُقِدَ طفل أم جميل (40عاماً) وهي من سكان قرية تابعة لمنطقة حارم شمال إدلب، أثناء محاولته إدخال مجموعة من الأشخاص إلى الأراضي التركية عبر إحدى طرق التهريب القريبة من الحدود.

تقول والدة الطفل الذي لم يكن يتجاوز السادسة عشر من العمر حينما فُقِد، أنها لم تتمكن من معرفة مصيره إلى الآن، رغم كل المحاولات.

وتضيف: “كان مضطراً للعمل مع المهربين من أجل تأمين مصروف إخوته الصغار بعد أن توفي والدهم قبل أعوام، لم نكن نعلم أن هذا ما سيحدث”.

وكانت مهمة طفل أم جميل إيصال أشخاص إلى إحدى المناطق القريبة من الحدود السورية ومن ثم العودة مع أحد رفاقه وأحيانا وحيداً بعد منتصف الليل إلى المنزل.

تذكر الوالدة أنه غالباً ما كان  يعود طفلها وهو منهك خاصةً تلك المرات التي تمكن حرس الحدود فيها من الإمساك به، “يقومون بضربه بقسوة ودون رحمة، ليته يعود اليوم ولا أريد أي شيء من هذه الحياة”.

ومنذ نحو عامين، قام عمر القصير (14عاماً) بتهريب عشرات الأشخاص من بينهم نساء وأطفال، وبات “المهرب الكبير” يعتمد عليه لإيصال مجموعة ربما تضم أكثر من 50 شخصاً أحياناً، جميعهم يمشون خلفه حتى ايصالهم إلى إحدى المناطق في الأراضي التركية.

ويجد “القصير” نفسه مجبراً على هذا العمل وذلك لتأمين تكلفة علاج والده الذي يحتاج إلى أدوية سرطان شبه يومية.

ويتقاضى “القصير” في كل مرة يتمكن بها من إدخال مجموعة أشخاص مبلغاً يتراوح بين 25 دولاراً و75 دولاراً.

ويذكر أنه تعرض خلال هذه المدة لمخاطر كثيرة، خاصة عند عودته ليلاً وحيداً من الأراضي التركية إلى الأراضي السورية بعد أن يتمكن من إدخال كامل المجموعة التي كانت معه.

إعداد: براء الشامي- تحرير: سوزدار محمد