كيف تابع سوريون عودة العلاقات السورية – الأردنية سياسيا واقتصادياً؟

دمشق ـ نورث برس

لم يكن اتصالاً عادياً بل كان إعلان كسر عزلة لأنه جاء من دولة كالأردن، معروفة بمدى التزامها بتعليمات الولايات المتحدة والغرب.

وجاء الاتصال بين الرئيس السوري بشار الأسد والملك الأردني عبد الله الثاني بعد زيارة ملك الأردن لكل من روسيا والولايات المتحدة، وكان الاتصال قد سبقته إجراءات اقتصادية تعكس بعض الانفتاح الاقتصادي الذي تباينت الآراء بشأنه رغم تقييم الجميع لها كبادرة تغيير لما هم عليه من ضيق.

خرق للقطيعة

قال ريمون جريج وهو اسم مستعار لمختص بالشأن السياسي الإعلامي في دمشق، لنورث برس، إن “الاتصال جاء تتويجاً لمقدمات هذا التقارب الذي سبقه وتبعه تطورات مهمة على الصعيد الاقتصادي، تمثلت بشكل أساسي على الجانب الاقتصادي، في إعادة افتتاح معبر نصيب- جابر ثم بحث ترتيبات إعادة تفعيل المنطقة الحرة المشتركة”.

وأضاف “جريج”: “السوريين تابعوا الخرق الأول الذي يحصل في القطيعة بين بلدهم والدول العربية من جهة والعالم من جهة ثانية على اعتبار أن خطوة ملك الأردن نحو سوريا، تأتي بترتيب خارجي أميركي خاصة”.

واعتبروا تلك الخطوة “مؤشر لنهاية الأزمة خاصة أنها يتزامن مع ما يتسرب من معلومات على اتفاق تركي روسي بشأن الأزمة السورية”، بحسب “جريج”.

لا دين للسياسة

وتباينت ردود الأفعال بين عامة السوريين حول هذه الخطوة التي حظيت بتفاعل شعبي من وجهات نظر مختلفة.

واعتبر الكثير من السوريين أن  هذه الخطوة “انتصار وبداية نهاية الحرب وقانون قيصر، رغم كل العداء الذي يحمله الموالاة للدول التي  شاركت بالحرب على بلدهم”.

وتقول الصيدلانية رهف عيسى التي فقدت ابنها في ريعان الشباب في هذه الحرب لنورث برس، إن ذكر كلمة الأردن لا يذكرها سوى “بغرفة الموك” التي كانت تدار من قبل الدول التي تحارب سوريا عن طريقهم.

بالإضافة لفتح أبوابهم في وجه المسلحين الذين قتلوا الكثير من الشبان، “وربما كان ابنها واحد منهم”، ولكنها في كل الأحوال تتمنى أن يكون هذا الحدث بداية لنهاية أوجاع السوريين، وتجنيب الأمهات المزيد من الأوجاع التي تعشنها منذ عشر سنوات.

في حين قال آخر: “ولو أنهم لا يستحقون العودة، إلا أن الضرورة والحاجات الملحة للشعب تتطلب العض على الجراح”.

أما  سمر التي تلقب نفسها بـ”أم فادي” والتي تضع صورة ابنها “الشهيد” فقد عقبت على هذا الحدث بنوع من العتب قائلة: “صدق من قال يتصافح القادة.. وأم الشهيد تنتظر ابنها..”.

ولم تخرج غادة عبيد من سكان دمشق عن هذا السياق عندما قالت إن “الشعوب هي وحدها من يتحمل وقع السياسات…فالسياسة لا دين لها”.

وعلق حسن كحيط  وهو من سكان دمشق أيضاً على الخبر بالقول: “أول الغيث قطرة”. في حين قالت أمال دروبي: “كلون مرجوعن للأسد سيد الرجال”.

وقال هاني أحمد وهو ضابط متقاعد وعامل في الشأن السياسي لعقود، لنورث برس، إن الدول العربية اتخذت موقفاً عدائياً من سوريا”.

وتساءل عن أسباب تعامل العرب بكل هذه الطريقة العدائية والعدوانية مع سوريا، “ولكن عودة العلاقات مدخل لا بأس فيه سياسياً واقتصادياً”.

ويضيف الرجل أنه “يتحدث من وجع. فمن بدايات الحرب، وأولاده الثلاثة على جبهات القتال، وينتظر أن يتغير المشهد العربي والدولي ليكون بداية النهاية للموت والدمار الذي يعيشه السوريون منذ عقد”.

تأكيد المؤكد 

وكما طوى الكثير من المفجوعين في هذه الحرب أوجاعهم مع هذا الخبر، أملاً في نهاية لما يعيش عليه أبنائهم، عد بعض المحليين السياسيين أن هذه الخطوة جاءت بمثابة التأكيد على آرائهم وتحليلاتهم.

ووصف رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان المعروف بعلاقاته المؤيدة للحكومة السورية، أن الاتصال “يؤكد المؤكد ويعكس ما ستشهده الفترة المقبلة من انفتاح عربي ودولي على سوريا”.

في حين قال عضو مجلس الشعب خالد العبود: “الاتصال الهاتفيّ للرئيس الأسد بالملك الأردنيّ، أكبر من اتصال تتحدّد به مستوى العلاقات السوريّة – الأردنيّة، أو شكل هذه العلاقات، أو ترتيبها أو تطويرها.”

وأضاف: “هذا الاتصال الهاتفيّ تعبير دقيقٌ جدّاً، عن اللحظة التي تمرّ بها المنطقة، والخرائط الصاعدة الجديدة، والانزياحات والتحولات الكبرى التي حصلت على مستوى المنطقة والعالم، والتي طالما تحدّثنا عنها سابقاً”.

وقال في منشور آخر: “دائماً كنّا نوكّد على أنّ المنطقة، ليست كما تبدو في الإعلام، وليست كما تحاول ماكينة إعلام العدوان أن تقدمها، تحديداً في عناوين نتائج العدوان ذاته”.

أفضل.. لكن

أما الانفراجات الأكبر فكانت في حركة التصدير وأسطول نقل البضائع الذي عانى كثيراً خلال سنوات القطيعة نتيجة توقف أفراده عن العمل، خاصة أن عودة فتح المعابر بين سوريا والأردن نصيب ـ جابر لم تعد إلى ما كانت عليه قبل الحرب من حيث طريقة المعاملة والضرائب وتسهيلات الحركة، الأمر الذي جعل السوريين في حالة معاناة دائمة رغم إعلان فتح المعبر بين البلدين في 2018.

وفي تصريح لنورث برس قال صاحب شركة شحن إن “الوضع أفضل، لكن ما زالت الأردن تشلحهم  مبالغ لا تقل عن 5-6 ملايين ليرة من الشحن السورية، وأنها لم ترفع الضرائب التي ارتفعت مؤخراً من 650 دولار إلى 1500 دولار على كل شاحنة تعبر”.

والبداية لكل ما يحصل من تطور في العلاقات مع الأردن، جاءت مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد طرح موضوع توصيل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان الذي أصيب بجمود تام نتيجة انتهاء مخصصات البلد من المحروقات والطاقة، وذلك عن طريق سوريا باستخدام خط أنابيب كان تم تجهيزه قبل 20 عاماً ضمن مشروع التعاون العربي.

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: محمد القاضي