المناطقية في حلب تعززها السياسات الحكومية

حلب – نورث برس

لم يخطر ببال محمد المشهداني (31عاماً) وهو خريج طب أسنان من مدينة حلب، شمالي سوريا، أن يكون انتمائه لحيٍ ذي طابع شعبي عائقاً أمام إتمام مراسيم خطوبته من زميلته.

فالشاب والفتاة بالرغم من اتفاقهما على الزواج، لم يستطيعا إكمال مشوار الحياة سويةً بسبب اختلاف مكان السكن، فعائلة الفتاة التي تسكن في حي حلب الجديدة اشترطت على الطبيب نقل مكان سكنه إلى حي “أكثر رقياً”.

وكان جواب العائلة للطبيب أثناء طلبه يد الفتاة للزواج: “الحي الذي تقيم فيه يعتبر الهوية الأولى التي تقيم على أساسها في مدينة حلب بغض النظر عن مستواك العلمي والمادي”.

وما بين أحياء تسكن فيها العائلات ميسورة الحال، وتتوزع في الجهات الشمالية الغربية ووسط مدينة حلب وأطرافها الجنوبية الغربية، وأخرى شعبية شرق المدينة وجنوبها الغربي، تتعزز فكرة المناطقية وتتأصل في حلب. 

فالصورة النمطية وبحسب سكان، “جاهزة ومقولبة” بمجرد أن يذكر الشخص اسم الحي الذي يسكنه.

وهذه الظاهرة الاجتماعية وفق قولهم ليست وليدة اليوم بل هي تعود إلى فترة ما قبل الأحداث السورية عززتها السياسات الحكومية المتعاقبة التي خلقت أحياء مهملة في أطراف المدينة.

فالتنمية البشرية والإدارية كانت متواجدة في مناطق حلبية محددة على حساب مناطق حلبية أخرى تم طويها من خارطة الاهتمام الحكومي لعقود متتالية، على حد تعبيرهم.

وترفض العديد من العائلات التي تسكن في “مناطق راقية” في حلب فكرة الزواج من شبان أو فتيات متواجدين في أحياء شعبية أو “أقل تنظيماً ورقياً”.

أحياء الصف الأول

وورث طبيب الأسنان المنزل الذي يقع في حي صلاح الدين عن والده ويعتبر بحسب قوله، “جيداً” من حيث الديكور والمساحة، “لكنه غير مقبول لأنه في حي شعبي”.

يقول الطبيب الشاب إن حالته المادية ليست سيئة، كما أن مهنته في طب الأسنان ستحسن أحواله أكثر، “ولكن عائلة الفتاة اشترطت شراء منزل في حي حلب الجديدة أو الموكامبو أو الشهباء وغيرها من أحياء الصف الأول”.

لكن “المشهداني” يجد ذلك الشرط في الوقت الحالي غير ممكن بسبب ارتفاع أسعار وإيجارات المنازل، “أصغر منزل في تلك المناطق يبلغ ثمنه 600 مليون ليرة سورية، كما أن الإيجارات لا تقل عن 500  ألف ليرة شهرياً”.

ويضيف: “عموماً في حلب هويتك ونظرة الناس إليك تبدأ من الحي الذي تعيش فيه”.

وينظر إلى أحياء الحيدرية وهنانو والسكري وبستان القصر والمشهد وصلاح الدين وغيرها من الأحياء على أنها أحياء فقيرة وتعتبر مرتعاً للجريمة كما تغيب فيها الثقافة والتحضر.

فالجرائم بمختلف أنواعها تنسب تلقائياً لسكان العشوائيات والحارات الشعبية، بالرغم من وجود ملفات قضائية لسكان من كافة الأحياء.

بينما ينظر لأحياء كالمحافظة والعزيزية والسليمانية وشارع النيل والموكامبو والشهباء وجمعية الزهراء على أنها أحياء الصف الأول وتضم النخبة المالية والثقافية وأعضاء السلطة والنافذين.

ويرى عماد حوا (47عاماً) وهو دكتور في جامعة حلب في كلية التربية قسم الإرشاد النفسي، أن المناطقية وقولبة الشخصية وتنميطها بحسب المكان الذي يعيش فيه من “أخطر” المشاكل المجتمعية في حلب، “فمن قال أن ابن حي المحافظة أكثر رقياً وتحضراً من ابن حي الميدان على سبيل المثال”.

سياسات حكومية

وهذه الصورة التي تتعزز في الذهن الجمعي للمجتمع من وجهة نظر الدكتور، تتحمل السياسيات الحكومية جزءً كبيراً منها، “فالزائر مثلاً لحي المشهد وما يشاهده من سوء تنظيم وقلة اهتمام بالبنى التحتية ونقص الخدمات الأساسية سيحكم على سكان الحي بالفقر وقلة الوعي”.

وستختلف معه النظرة عندما يزور حي الموكامبو على سبيل المثال، “فالحكومة بإهمالها وقصور أدائها الخدمي وغياب خطط التنمية البشرية من قواميسها تسهم لحد كبير في توسيع الشرخ الاجتماعي ما بين مختلف المناطق الحلبية”.

وتختلف المدارس والخدمات والشوارع والطرقات وحتى شبكات الصرف والمياه والكهرباء، إضافة للحدائق والفسحات في الأحياء التي تسكنها العائلات ميسورة الحال عن الأحياء الشعبية التي تفتقد للحد الأدنى المطلوب من الخدمات.

ويذكر فراس الشامي (50عاماً) وهو محامٍ من حي سيف الدولة أن الأحياء القديمة المحيطة بقلعة حلب تاريخياً كانت ذات بنية تحتية موحدة ومستوى اجتماعي واحد، “فلا فروقات وميّزات لابن حي أغيور على ابن حي قرلق”.

فالنظرة كانت لمكانة الشخص العلمية والدينية والمالية بغض النظر عن مكان سكناه.

لكن توسع المدينة وإنشاء أحياء سواءً للميسورين أو النافذين في السلطة والحكومة بالتزامن مع هجرة سكان الريف إلى المدينة وإنشاء العشوائيات والأحياء الشعبية خلق طبقية ومناطقية بين المدينة، بحسب قول المحامي.

وهناك أحياء تقبع ما بين العالمين كحي الحمدانية وسيف الدولة والأكرمية والجميلية وغيرها، “فالطبقية المناطقية حاضرة وبقوة في حلب”، على حد قول “الشامي”.

ويرى المحامي أن المجتمع الحلبي سيكون قادراً على تجاوز هذه الظاهرة السلبية “لو قامت الحكومة بإزالة العشوائيات وإنشاء تجمعات سكنية جديدة ومنظمة وتوحيد الخدمات”.

إعداد: نجم الصالح- تحرير: سوزدار محمد