إغلاق منشآت وهجرة صناعيين سوريين وحكومة لا تصغي

دمشق- نورث يرس

يرى رضا جبر (55 عاماً)، وهو صناعي عتيق في العاصمة دمشق، أن البقاء في البلاد بعد بيع معمله أصبح مستحيلاً، وأن المستقبل في سوريا “رعب” يواجه كل صناعي لا يجد سبيلاً أمامه سوى التفكير في الهجرة.

وبعد مرور أكثر من عقد على الحرب في سوريا، ما يزال الخوف من المستقبل يتفاقم لدى الصناعيين السوريون الذين تدفعهم الظروف لإغلاق منشآتهم والهجرة إلى خارج البلاد، لتصبح الظاهرة عجزاً آخر لاقتصاد البلاد.

ويعتقد الصناعي “جبر” أن مشكلة الاقتصاد السوري ليست مشكلة مالية تتلخص بعجز الموازنة، “بل هي مشكلة نقص في الإنتاج وفقدانه، وغلاء وندرة في المواد الأولية واليد العاملة”.

ومنذ ستة أعوام، أغلق الصناعي، الذي يعيش في حي التجارة بدمشق، معمله للألمنيوم في منطقة القدم بالعاصمة، ليتكبد بعدها “قدر تكاليف نصف معمل جديد” لترميمه.

لكنه اضطر رغم كل ما بذله لبيع معمله في النهاية لأسباب يقول إنها باتت واضحة للجميع.

“دفعت ضريبة دخل بقيمة 127 مليون ليرة سورية عن السنوات التي أغلقت فيها، وطلبت استشارة محام أخبرني بأن أدفع، لآنه من غير الممكن النقاش حول هذا الموضوع مع الحكومة”.

مصر الوجهة الأبرز

ويشير “جبر” إلى تصريحات أدلى بها عضو غرفة صناعة حلب مجد ششمان لإذاعة ميلودي إف إم المحلية.

وقال: “ليس من الغريب أن تقوم الإذاعة بتعديل منشورها أولاً ثم حذفه لاحقاً، فقد ذكر أن 19 ألف صناعي غادروا حلب، و28 ألف من دمشق.”

واعتبر أن “السبب الرئيسي للتسرب السريع للصناعيين السوريين إلى مصر، هو حرية السوق والتجارة في مصر، ودعم الدولة للاستيراد والتصدير”.

ومؤخراً، بدأ رائد حاطوم (27 عاماً)، وهو متخرج من معهد الميكانيك ويعيش  في حي القصاع بالعاصمة، يفكر بالهجرة، بعد أن كان يعارض الفكرة، “لكن أصبحت الآن إحدى الخطوات الأساسية لدى كل شاب وطالب جامعي وصناعي.”

وأضاف لنورث برس: “لا يمكنني البقاء في البلد وسط هذه الأزمات، تدني أجور ومصير مجهول للمعامل، ولا وجود لأمل في الاستمرارية بعد فقدان المواد الأولية وقطع الغيار”.

وأشار “حاطوم” إلى أن الدخل الشهري في سوريا لا يتجاوز وسطياً 72 ألف ليرة، “بينما المبلغ المطلوب لتأمين كفاف يوم الفرد وليس العائلة  هو 200 ألف ليرة”.

ويستنتج مبتسماً: “دخلنا أقل من كفاف يومنا بنسبة 65%”.

ويعتقد الشاب أن خط الإنتاج له عدة مدخلات في أي معمل، “أبرزها المواد الأولية واليد العاملة والدراسة الاقتصادية والتجار ورأس المال، ثم قطع الغيار والقروض، وكل ذلك مفقود في سوريا.”

وبخصوص مصر يقول: “هي ليست أوروبا أو بريطانيا، أعلم هذا، لكن عند فقدان أي مُدخل هناك يتمكن الصناعي من تعويضه، أو الاستغناء عنه واستمرار العمل لحين التعويض، لكن فقدانهم جميعاً هو النهاية.”

ويعتقد “حاطوم” وصناعيون آخرون أن الحكومة السورية مسؤولة عن دفع الشباب والصناعيين لاتخاذ قرار الهجرة، “بسبب قراراتها غير المدروسة، ومن الصعب جداً تعويض هذه الخسارة، إذ تحاول دول كبرى اليوم استقطاب عمال ومهنيين وخبرات صناعية”.

ويقدر خلدون الموقّع، وهو رئيس تجمّع رجال الأعمال السوريين في مصر، عدد الصناعيين السوريين العاملين في مصر بما بين 15 ألف و17 ألف صناعي، أما رجال الأعمال عامة فيزيد عددهم على 30 ألفاً.

ولفت “الموقع” إلى أن حجم الأموال السورية في مصر (ليس فقط الاستثمارات) يقدّر بـ 23 مليار دولار، بحسب تقرير للأمم المتحدة، ونحو 100 مليون قطعة شهرياً تضخ من منتجات المعامل السورية في السوق المصرية.

“لا حياة لمن تنادي”

وقال عادل الحسنية (54 عاماً)، وهو اقتصادي سوري يعيش في دمشق، إنه وآخرين حذروا من الأسباب الرئيسة لهجرة الصناعيين، “وناشدت كثيراً، لكن لا حياة لمن تنادي”.

وذكر من تلك الأسباب أن المصرف المركزي أوكل التحويل والتعامل بالقطع لعدة شركات صرافة تعمل خارج سوريا، “وهي لمقربين من النظام وتجار حرب، وأغلبها تعمل بطرق السوق السوداء ومن أجل ربح أعلى”.

“وهذا ما أدى لاكتشاف العديد من المستثمرين، بوجود منع أو ضرائب أو عقوبات اقتصادية عليهم في دول أخرى دون أن يعلموا لماذا”.

ويرى “الحسنية” أنه ينبغي إعفاء المواد الأولية المستوردة كمدخلات للصناعة المحلية من الرسوم الجمركية وكل الضرائب والرسوم المفروضة على الاستيراد، في بادرة لدفع التجار والصناعيين للاستيراد.

“وإلغاء العمل بالقرارين 1070 و1071 بشكل تام، وعدم إجبار التجار والمستوردين على إعادة قطع التصدير بنسبة 50%.”

ويرى الاقتصادي أن عدم استماع الحكومة لتلك التحذيرات “أدت اليوم لوصولنا إلى حافة الهاوية، فلا مستثمرين خارجيين، ولا برجوازية صناعية محلية، ولا يد عاملة، ولا استيراد أو تصدير، وغلاء بالأسعار لا يقابله ارتفاع بالأجور”.

ويقول مازن الحسن، وهو صاحب معمل ألبسة في مصر ويعيش فيها، إن “ارتفاع أسعار المحروقات على كاهل الصناعي في سوريا تعيق إنتاجه، بالإضافة لأعباء كبيرة للقطع الأجنبي والمواد الأولية وغيرها”.

كل ذلك دفع “الحسن” للتوجه إلى مصر.

يقول إن “المستثمرين السوريين في مصر يشكلون نحو 30%، ويستثمرون 800 مليون دولار في مشاريع عديدة أكثرها تتخصص بالخياطة والألبسة”.

ويضيف: “منذ سماعي خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في آذار/مارس الماضي، وهو يهاجم التجار ويتوعد ويصفهم باللصوص، علمت أن ساعة الهجرة قد حانت”.

وقام “الحسن” ببيع معمله للأقمشة بخسارة، “وحاولت بشتى الطرق تحويل المبلغ إلى قطع أجنبي وهذا أدى بدوره لخسارة أكبر، لكن خسارة تاريخي في العمل والصناعة واسمي، وذكرياتي وإنسانيتي، كانت هي الفاجعة”.

يستذكر الآن: “لملمت ما تبقى لي وسافرت، في البداية إلى أربيل، ثم إلى مصر، ومن خبرتي المتراكمة حاولت أن أبدأ من جديد في تأمين مستقبل أفضل لأولادي”.

إعداد: حنين رزق- تحرير: حكيم أحمد