الإدارة الذاتية والخطر الإيراني القادم

قبل بداية أحداث الأزمة في سوريا عملت إيران على نشر نفوذها في منطقة شمال وشمال شرق سوريا مستخدمة جملة من السلوكيات ومستغلة جملة من العوامل أدت بها إلى النجاح في تحقيق أهدافها في نشر التشيع واستمالة المزيد من المؤيدين والمريدين وخاصة بين العشائر العربية الممتدة على طول الحدود السورية التركية في الشمال والشمال الشرقي.

بدأت الجهود الإيرانية باستغلال بعض المقامات الشيعية وعملت على ترميمها، كمقام عمار بن ياسر وأويس القرني، حيث استغلتهما إيران لشن حملة تبشير شيعية واسعة بين القبائل، وبعد الحرب السورية استغلت إيران الحاجة والفقر الناجمين عن الحرب وقدمت بعض الأموال والدعم عبر بعض الجمعيات الخيرية التي أنشأتها في المنطقة وخاصة في مدينة البوكمال الحدودية، كما سعت إيران إلى تجنيد عدد من العشائر في الحرب ضد داعش وشكلت من بعض العشائر فصائل عسكرية مقاتلة على شاكلة (لواء الباقر) التابع لعشيرة البقارة، كما نجحت طهران في استمالة عدد من زعماء العشائر الذين أعلنوا انشقاقهم عن النظام في بداية الأحداث مثل الشيخ نواف البشير الذي انشق عن النظام وأمضى عدة سنوات في تركيا ولكنه عاد إلى سوريا وتعاون مع الإيرانيين وشكل قوة عسكرية انضمت إلى الجيش الوطني الذي يقاتل إلى جانب النظام ومازال يمارس سطوته في تطويع المزيد من المقاتلين في صفوف الميليشيات الإيرانية.

ينطلق اهتمام إيران في هذه المنطقة بالذات كونها تشكل نقطة الوصل لمشروعها الذي يربط نفوذها بكل من العراق وسوريا ولبنان، لذلك تبذل جهوداً مضنية لإبقاء هذه المنطقة تحت سيطرتها، وذلك على الرغم من العقوبات الأميركية والأوربية المفروضة عليها منذ سنوات.


اقرأ أيضاََ


إن نجاح إيران في مساعيها لتشكيل فصائل عسكرية من أبناء القبائل تابعة لها يشكل خطراً واضحاً على تجربة الإدارة الذاتية، ذلك أن إيران بالاتفاق مع النظام قد تستخدم حجة مقاتلة داعش للتمادي في حربها في المنطقة وبالتالي دخول مناطق الإدارة الذاتية للسيطرة على حقول النفط والغاز الغنية في المنطقة، وبالتالي تحاول التخفيف من أثر العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، كما أن ذلك قد يؤدي إلى انفتاح عربي وإقليمي على النظام بذريعة انتصاره في الحرب وبسبب تعب دول المنطقة من الحرب السورية.

إلى جانب المساعي العسكرية نجحت إيران في المجال الاجتماعي عبر نشر الفكر الشيعي بين أبناء العشائر مستغلة حاجة أبناء المنطقة بعد عشر سنوات من الحرب أنهكت الناس واستنفدت معظم أرزاقهم ومصادر عيشهم، فأسست عدة جمعيات خيرية، منها على سبيل المثال جمعية الزهراء التي تقدم خدمات صحية واجتماعية ومساعدات غذائية لسكان المنطقة الذين باتوا بأمس الحاجة للمساعدة، كما تنجح إيران وبشكل يومي في استمالة عشائر جديدة وتجنيد عناصر مقاتلة جديدة تقاتل إلى جانبها وفي صفوف ميليشياتها أو الميليشيات الرديفة لجيش الأسد.

 من هنا لا يمكن التعامل مع الوجود الإيراني في منطقة الشمال باستهانة واستخفاف، بل لا بد من السعي لمواجهته بكل السبل نظراً للخطورة التي يشكلها هذا التواجد على مستقبل مشروع الإدارة الذاتية، ذلك أن إيران لا تستكين ولا توفر جهداً في استقطاب المزيد من العشائر، فلقد دعت إيران عدداً من زعماء القبائل والعشائر لزيارة طهران وتم عقد لقاءات بينهم وبين مجموعة من المسؤولين الإيرانيين، ولا يخفى على أحد أن إيران استخدمت الحافز المالي لتحقيق تلك اللقاءات والزيارات كمان أن وسائل إعلامها مع وسائل إعلام النظام أولت اهتماماً كبيراً لتلك اللقاءات وصورتها عدة مرات وتم بثها مرات عديدة لإبراز قوة ونفوذ إيران في المنطقة.

 إن ما يخيف في الأمر هو نجاح إيران في مساعيها هناك وربما تحاول سراً استمالة بعض العشائر المتوافقة مبدئياً مع الإدارة الذاتية مستغلة نفوذها وأموالها في سبيل سحب العشائر المنضوية تحت لواء الإدارة الذاتية.

 إن التصدي لهذه السلوكيات الخطرة يتطلب من الإدارة الذاتية المزيد من التنبه للخطر الداهم من جهة طهران.

وإن وضع الإدارة الذاتية حالياً يشبه وضع فينيسيا في القرون الوسطى حين كانت مدينة غنية ومترفة لكنها محاطة بالأعداء، وهذا هو وضع الإدارة الذاتية حالياً المحاطة بالأعداء من كل اتجاه مثل إيران وميليشياتها والنظام وجيشه وتركيا والفصائل السورية التابعة لها المؤتمرة بأمرها إضافة إلى مخيم الهول الذي يشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة بفعل عوامل وتحريض خارجي، خاصة من جانب تركيا وهيئة تحرير الشام وداعش التي ما زلات تنشط في البادية السورية على تخوم الإدارة الذاتية.

 كل ذلك يستلزم من قيادات مسد المزيد من الحذر والمزيد من العمل لتلافي الأخطار المحدقة وعلى رأسها الخطر الإيراني، ذلك أن إيران ترى في نفسها دولة منفلتة عن السطوة الأمريكية وقادرة على التصرف في المنطقة وفقاً لمصالحها بتهديد واضح من الاستمرار في النشاط النووي.