دمشق ـ نورث برس
كان اللافت طريقة تعاطي السكان مع قرارات التغيير التي صدرت مؤخراً في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الحكومة السورية، حيث تم إعفاء معاوز وزير التجارة جمال شعيب والذي يتمتع بنفوذ في الوزارة.
وتلاها مجموعة إعفاءات موقعة من رئاسة مجلس الوزراء صدرت الثلاثاء الماضي، كإعفاء مدير المؤسسة السورية للتجارة أحمد نجم وكان قد سبقه قرار بإعفاء مدير تموين دمشق عدي شبلي الذي عرف بمدى نفوذه وسطوته.
والشائع أن معظم قرارات الإعفاء “تحظى بالمديح” أحياناً وشيء من “الشماتة” أحياناً أخرى، لكن من يتابع التعليقات التي صاحبت قرارات الإعفاء الأخيرة على صفحات التواصل الاجتماعي أو المواقع التي تعرف بمواقفها الموالية كصفحة “شبكة أخبار اللاذقية” يلمس مزاجاً عاماً مختلفاً.
“عقبال عرنوس“
بأسماء صريحة وبكل صراحة كتب الكثير من المعقبين على قرارات الإعفاءات أمنيات بأن يكون التالي هو رئيس مجلس الوزراء ذاته حسين عرنوس.
وكتب مصطفى بيطار في تعليقه: “عقبال المهندس حسين عرنوس، وإبراهيم خليل، عا قبال عرنوس. ونشر بسيم عباس. انشالله عا قبال إنهاء مهامك عن قريب”.
وهنالك من وجد في هذه الأخبار فرصة لـ”صب جام غضبه” على بقية الوزراء مثل وزير الكهرباء.
في حين كان هنالك الكثير من التعليقات التي تعبر عن عدم جدوى تغيير الأشخاص، كحال البوست الذي نشرته سميرة نعمان والذي تقول فيه: “كلوا أضرب من بعضوا موتو الشعب ما عاد يهمنا مين بدو يروح ومين بدو يجي”.

في حين نشرت صفاء عبدالله: “ياريت عم يتغير شي.. بتغيروا هالعالم والوضع عم يزيد للأسوأ”.
في حين قالت لوريس حنا: “بروح واحد بيجي يلي ألعن منو كلو سواسية عنا ما بقى يفرق معنا شي”. وكتب عهد الدالي “تغيير أسماء فقط”.
تعليقات حادة
أما التعليقات اللافتة أكثر فهي حديث البعض عما إذا كانت الشخصيات التي تم إعفاؤها توقفت عن تقديم الرشى للشخصيات الأعلى كقول بشار كرتلي: “ليش ما عم يشلو حصتو؟”.
في حين نشر أوس صبح: “يا ساتر شو صاير يظهر ما عم يدفع منيح”.ونشر كمال الحدبه: “ليش ما عم يقبضك يعني ولا خلص دوره وصار من الأغنياء بها لبلد التعبان؟”.
يقول علي خليل وهو اسم مستعار لباحث إعلامي في دمشق، لنورث برس، إن “المزاج العام في تغيرٌ يومي بسبب الضغوطات الاقتصادية الكبيرة التي يعيشها السكان من جهة، وبسبب لمس معظمهم لعدم جدوى إحداث أي تغييرات، خاصة على مستوى الصف الثاني، لأن بيئة العمل لا تسمح لأي من الأشخاص باختراقها وتحقيق آلية مختلفة، لذلك أصبحوا يتعاملون مع قرارات التعديل بلا مبالاة”.
لكن اللافت هو التحول الذي صار بالإمكان رصده بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت قدراً كبيراً من حرية التعبير عن الرأي.
وذلك التحول يمكن رصده في تلك المفارقة المتمثلة في أن أكثر التعليقات حدة على الحكومة نجدها ضمن أوساط من يفترض أنهم الموالين لها.
وإذا نظرنا إلى تلك المفارقة من الجانب الإعلامي، حسب “خليل”، “فلا يمكن أن نقرأها إلا بوصفها نوعاً من التشوه في الرأي نتيجة عقود طويلة من احتكار أدوات التعبير عن الرأي، وهو ما زال مستمرا حتى اليوم”.
وأشار إلى أن “ذلك الإعلام يسعى دوماً إلى تقديم أنظف صورة للحكومة ومسؤوليها، وفي القضايا الصارخة والواضحة يحاول أن يقدم بعض الوزراء في تلك الحكومة بوصفهم المسؤول الأول والأخير عما يجري، رغم أن عدد أولئك الذين يعرفون أنها لا تقدم ولا تؤخر صار يتزايد باضطراد، وساعدت وسائل التواصل الاجتماعي كثيراً في هذا المنحى”.
معظم الذين عبروا عن أمانيهم “برحيل” رئيس الحكومة حسين عرنوس، يعرفون أنه أصلاً بلا صلاحيات تسمح له باتخاذ قرارات مصيرية، وعبارة “بكرة بيجي اللي أضرب منه” المنتشرة كثيراً في سوريا عند أي تغيير، تشير إلى أن ثمة قناعة تترسخ حتى ضمن المؤيدين وتعبر عن مدى إحساسهم باليأس واللاجدوى من آلية اختيار المسؤولين.
كما تعكس في الوقت ذاته أن هناك رأياً عاماً بدأ يظهر ويحاول أن يعبر عن ذاته بوضوح، لكن تبعات ذلك، حتى في وسائل التواصل الاجتماعي، لا تسمح إلا بظهور ذلك النوع “المشوه” من الرأي.
“مبروك ثقة القيادة”
ومع بدء الإعلان عن الشخصيات التي ستستلم المنصب الجديد، تشهد البلاد أيضاً “مباركات” مما صار يعرف بـ”مبروك ثقة القيادة”.
وسرعان ما يُنسى المسؤول المقال، ليبدأ الاحتفاء بالقادم الجديد، وهي ظاهرة أكثر ما يمكن ملاحظتها لدى الإعلاميين الذين يكتبون بعضاً من السير الذاتية للمسؤولين الجدد، ويعبرون عن ثقتهم بحسن الاختيار.
وطبعا يترافق ذلك مع آراء أخرى، تظهر على شكل تعليقات، لتقول شيئا آخر.
وفي منشور لصحفي يرحب بمن وصفه بـ”الصديق الغالي” و”ابن البلد” زياد هزاع الذي تم تعيينه مديراً للسورية للتجارة، كانت بعض التعليقات: “يعني ممكن يكون أحسن من غيرو؟ بنقول إن شالله”.
وكتب آخر في تعليق: “شو بدو يعمل، غير يستلم راتبو، ع كل حال: تفاءلوا بالخير تجدوه”. ويرى آخر أنه “تبديل طرابيش”. في حين كتب أحدهم في تعليقه: “بيروح حرامي بيجي حرامي”.