فساد إداري وسماسرة في مديرية نقل السويداء

السويداء- نورث برس

اضطر أحمد نعيم (٤٥ عاماً)، وهو مالك سيارات من مدينة السويداء جنوبي سوريا، للانتظار سبعة أيام حتى تمكن أخيراً من استكمال أوراق سيارته، وإفراغها باسمه بمساعدة معقب معاملات.  

 يقول لنورث برس إنه لم يعلم أن نقل ملكية سيارة داخل مديرية النقل تحتاج إلى هذا الكم من الأوراق والموافقات الأمنية ووضع الطوابع والإجراءات القانونية.

 وبالرغم من بذله المال، إلا أنه لم يتمكن من تخليص أوراقه دون مساعدة معقب، “وذلك كي لا يتأخر أشهراً في إنجازها”.

ازدحام ورشاوى

ويعاني مراجعو مديرية النقل الحكومية في السويداء من صعوبات في تسيير وتخليص أوراق آلياتهم الخاصة، من دفع الرسوم السنوية وتبديل اللوحات الخاصة التالفة، وتثبيت فرز السيارات ونقل اللوحات المرورية، وغيرها من الإجراءات. 

ويضطر بعضهم لدفع رشاوى مالية للموظفين عبر معقبي المعاملات الذين تربطهم صلات مع موظفين داخل الدائرة ، من أجل التخلص  من الازدحام و التأخر الحاصل، وسط غياب الرقابة واستشراء الفساد والمحسوبيات، بحسب مراجعين.

وحاول “نعيم” إنجاز معاملته بمفرده، لكن الازدحام الحاصل أمام مديرية النقل والتخبط في استقبال الأوراق جعلاه يشعر باليأس من متابعة الإجراءات، ما دفعه لتكليف أحد معقبي المعاملات لاستكمالها مقابل مبلغ من المال.

ودفع الرجل مالاً “كرشاوى مالية” لموظفين داخل المديرية، بالإضافة لأتعاب المعقب و ثمن الطوابع الخاصة والتصوير والنسخ وغيرها، من أجل التعجيل في إنهائها المعاملة.

ووفق تقرير تصدره منظمة الشفافية الدولية، جاءت سوريا في المرتبة الأخيرة في قائمة مؤشر الفساد العالمي للعام 2020 بعد الصومال وجنوب السودان، بعد رصد حالتي الشفافية والفساد في 180 دولة حول العالم.

غياب المحاسبة 

ويقول سامح العبدالله (٤٠ عاماً)، وهو مالك  سيارة من سكان السويداء، إنه حين  يحتاج لإنجاز ترسيم سيارته سنوياً، يضطر لدفع المال لسماسرة مديرية النقل والمتمثلة بمعقبي المعاملات، والذين تربطهم علاقات مع بعض الموظفين داخل الدوائر  بالسويداء.

ويشير الرجل إلى أن الرشى المالية باتت ثقافة الموظفين الحكوميين في السويداء، في ظل غياب المحاسبة وإدراك المراجعين بأن الشكوى لن تجدي نفعاً وسط تنصل المسؤولين القائمين على القطاعات وفسادهم.

وقال إحسان الزيلع (٣٩ عاماً)، وهو معقب معاملات يمتلك مكتباً صغيراً أمام مديرية نقل السويداء الحكومية، إنه كسائر معقبي المعاملات يقوم بدور تسهيلي لا أكثر في التخفيف من أعباء استكمال المعاملات من قبل مالكي السيارات داخل مديرية النقل.

 ويضيف أن عمله لا يقتصر  فقط على مساعدة المراجعين- فهو  يقوم أيضاً بتقليص الإجراءات والتخفيف من ضغط المراجعين على الموظفين الذين يصف علاقته بهم بالصداقة، في إشارة للتعامل اليومي معهم.

وقد حصل ” الزيلع” مؤخراً على رخصة قانونية من قبل محافظ السويداء تسمح له بإنشاء كشك صغر “براكية” أمام مبنى النقل الحكومي، لإعالة أسرته المؤلفة من خمسة أفراد .

ويرى حامد قريشة،  وهو اسم مستعار لموظف حكومي في مديرية النقل بالسويداء منذ ١٥ عاماً، أن  مظاهر الثراء التي بدت على عدد من الموظفين داخل المديرية خلال فترة قصير ة “تؤكد أنهم فاسدون”.

فهذا الثراء لا يمكن أن يأتي من ادخار راتبهم الوظيفي الذي لا يتجاوز 70 ألف ليرة سورية، وفقاً للموظف.

ويشير “قريشة” إلى أن الرقابة الحكومية على أداء الموظفين داخل دائرة النقل شبه غائبة، ما حفّز البعض منهم للانخراط في الفساد وتقاضي رشى مالية، لتعويض الراتب الهزيل الذي يتقاضونه.

نسب متفاوتة

وقال محمود سانحة (٥٥ عاماً)، وهو اسم مستعار لمسؤول حكومي سابق في قطاع النقل في السويداء، لنورث برس، إن “الفساد المالي والإداري  في مديرية النقل كسائر القطاعات الحكومية بالسويداء وعموم سوريا موجودة ولكن بنسب متفاوتة “.

ويشير المسؤول الحكومي  السابق  إلى أن اللوائح القانونية والتعاميم الحكومية إلى قطاع النقل والآتية من دمشق،  تقضي بمحاسبة المفسدين وتحويلهم إلى القضاء المختص في حال توفرت الأدلة الدامغة بحق مرتكبيها وكانت موثقة أصولاً .

ويضيف، أنه تم إحالة أربعة موظفين من مديرية النقل الحكومية بالسويداء إلى القضاء بين عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠.

ورغم أن أربعة موظفين لا يشكلون شيئاً أمام يتحدث عن المراجعون من “استشراء الفساد”، يضيف المسؤول السابق أنهم لم يُحاكموا حتى الآن.

 فالمشكلة تكمن في التأخير والمماطلة الحاصلة من قبل قصر العدل  في استصدار الأحكام القضائية الرادعة.

ويتهم المسؤول السابق المراجعين بالمساهمة في تجذّر المشكلة عبر قبولهم دفع الرشاوى، ولا يستبعد وجود الفساد ضمن قطاع العدل، “بعد تأخر محاسبة هؤلاء المتهمين”.

إعداد: سامي العلي- تحرير: حسن عبد الله