المركزي السوري يصدر قراراً يخالف القانون والبعض يشبه الأمر “بالسطو” على أموال المغتربين

دمشق ـ نورث برس

بعد جدل وانتقادات كثيرة آثارها قرار “المصرف المركزي السوري” بمنع السحب من المصارف بموجب وكالة من كاتب العدل، عاد المصرف ليصدر توضيحاً حول قراره، رغم أن ذلك التوضيح ينطبق عليه المثل “جاء ليكحلها عماها” حسب قول بعض المحامين.

التعميم الذي أصدره المركزي مؤخراً، رأى فيه بعض الحقوقيين تجاوزاً  للقانون، إذ أنه طلب من المصارف عدم تنفيذ عمليات السحب النقدي بموجب وكالة عامة أو خاصة منظمة لدى الكاتب بالعدل.

وشدد المركزي على حضور الموكل والوكيل أمام المصرف المعني لمرة واحدة على الأقل عند اعتماد الوكالة المصرفية.

محاولة تجميد

ذلك التعميم يعني أن كل من هو خارج البلاد لن يكون قادراً على أن يجري عمليات سحب بنكية عبر الوكيل الذي اختاره بموجب وكالة قانونية كانت حتى قبل أيام معتمدة رسمياً، بينما لم تعد كذلك بعد التعميم، وهو ما رأى فيه البعض محاولة تجميد غير معلنة لحسابات سوريين أودعوا أموالهم قبل مغادرة بلادهم.

ومعظم السوريين الذين غادروا البلاد نظموا وكالات عامة أو خاصة لأشخاص يثقون بهم، لتحريك حساباتهم، وهو إجراء قانوني ومتبع في البلاد منذ سنوات، ولا يجوز تغييره إلا بقانون، كما رأى محامون انتقدوا ذلك التعميم الذي أصبح أقوى من القانون.

وقال وعد الحسين وهو اسم مستعار لمحامٍ مختص بالقضايا الإدارية في محاكم دمشق لنورث برس، إنه كان من الأولى متابعة قضايا التزوير الكثيرة التي يتابعونها في المحاكم، وليس مخالفة القانون بقرار.

ومما كتبه بعض المحامين في توصيف التعميم: “هزيمة جديدة للقانون أمام ما دونه!. ليس بجديد أن قراراً إداريا يلغي نصاً قانونياً، وهذا يكون في بلد تنعدم فيه قوة القانون. لا قانون يسمو فوق قرار المسؤول”.

ويقول صياح معراوي وهو محام في دمشق، إن “موضوع الوكالة محكوم بالقانون المدني وليس لأي جهة تعديله إلا التي أصدرته، ومن المستقر قضائياً، حق الدفع بمخالفة نص في قانون ما، بمخالفته للدستور، لعدم تنفيذه، هذه كتلك”.

الصورة رقم 1:

وأشار عارف الشعال وهو محام في دمشق أيضاً، إلى تلك المفارقة المتمثلة بأن الوكالة المنظمة لدى الكاتب بالعدل مقبولة في الدوائر العقارية، في وقت صارت فيه العقارات تقدر بالمليارات، بينما أصبحت ممنوعة في المصارف.

ووصف “الشعال” عبر صفحته الشخصية  الأمر بـ”الاستهبال”، وكتب: “ومن أوجه استهبال العقل، السماح بالوكالة العدلية لبيع عقارات بالمليارات ومنعها لسحب رصيد مصرفي بالملايين”.

وكتب “الشعال” أيضاً: “لا فائدة من التعليق على قرار حاكم المصرف المركزي بمنع استخدام الوكالات العدلية في المصارف، وبيان أوجه مخالفته للقانون، لأننا فهمنا متأخرين سياسة الهرم المقلوب، وأن القرار الإداري في بلدنا يسمو على أي نص”.

توضيح وتراجع

وأمام الانتقادات الكثيرة التي طالت القرار، عاد المركزي لينشر توضيحاً لقراره، قال فيه إن من مبررات إصدار التعميم هو “الإشكالات القانونية الحاصلة من جراء استخدام الوكالات المنظمة لدى الكاتب بالعدل، لا سيما تلك المتعلقة بالتزوير”.

ومن المبررات التي ذكرها أيضاً “المخاطر المترتبة على عمليات السحب النقدي من الحسابات المصرفية، واستغلال الأموال المسحوبة في تمويل العمليات المشبوهة في ظل صعوبة رقابتها من قبل الجهات ذات الصلة، لا سيما عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.

وأشار المصرف إلى أن صدور القرار جاء “سنداً لمتطلبات الحيطة والحذر لا سيما لجهة التأكد من الموكل والوكيل وأهمية الحصول على نموذج حي ومعتمد لتوقيع الوكيل”.

كما تم إقراره لـ”تلافي الآثار السلبية المترتبة على الإشكالات القانونية التي ترتبت على استخدام الوكالات المنظمة لدى الكاتب بالعدل لا سيما العامة منها”.

ما ساقه المركزي من مبررات، لم تكن كافية، بنظر كثيرين، فـ”الخشية من التزوير، ليست محصورة فقط في المصارف، ومن يستطيع تزوير وكالة لسحب نصف مليون ليرة، سيكون قادراً على تزوير مثلها لبيع عقار تقدر قيمته بالمليارات”.

قلة خبرة

وصف عامر شهدا وهو خبير مصرفي في دمشق تبريرات المركزي بأنها “لا تشير لخبرة مصرفية” وأنها “بعيدة كل البعد عن الأعراف المصرفية”.

وكتب “شهدا” عبر صفحته في فيسبوك: “يقول التبرير إن الوكالة المصرفية تخص عمليات السحب فقط والهدف تخفيف المخاطر، والسؤال: ماذا عن طلب دفاتر الشيكات واستلامها، وهي تعتبر أخطر من عمليات السحب؟”.

وأضاف الخبير: “أعتقد أن هدف المركزي من ذلك ليس تخفيف المخاطر وإنما خلق معوقات لسحب الكاش، والدليل أن الوكالة المصرفية تم حصر استخدامها بالسحوبات النقدية”.

وقال إن “المركزي تجاهل أن معظم المغتربين قد وكلوا آبائهم أو أمهاتهم لسحب مبلغ معين من حساباتهم كل شهر لدعم معيشتهم، واليوم المركزي يطلب حضور هؤلاء المغتربين لتسطير وكالة في المصرف بسوريا”.

وقال صاحب محل ألبسة في دمشق ووكيل لأموال أخويه المهاجرين، لنورث برس، شرط عدم نشر اسمه، إن “تبريرات المركزي غير منطقية، وأنه يستطيع أن يطلق أخويه من زوجاتهم، وأنه يستطيع التصرف بكل أملاكهما من عقارات ومحلات، ولكن بهذا القرار لم يعد يستطع التصرف بالأموال المودعة في البنك التجاري”.

وبالإضافة إلى مخالفة التعميم للقانون، تمحورت التعليقات على التعميم على فكرة أن الهدف منه “محاولة السطو على أموال المغتربين الذين لا يستطيعون القدوم إلى البلد” كما كتب البعض على صفحة المصرف المركزي.

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: محمد القاضي