إعلان المركزي السوري ارتفاع الودائع لدى المصارف الخاصة يثير تساؤلات لدى مختصين

دمشق ـ نورث برس

أثار إعلان مصرف سوريا المركزي عن ارتفاع قيمة الودائع لدى المصارف الخاصة التقليدية بنسبة 66% في النصف الأول من العام الجاري، تساؤلات بعض المختصين عن حقيقة ذلك الارتفاع خاصة أنه يأتي وسط حالة من تضخم متواصل في البلاد، رغم الاستقرار النسبي الذي شهدته مؤخراً أسعار الصرف التي بدأت منذ أيام تعود إلى حالة الارتفاع.

وقال المركزي السوري في تقرير أسبوعي صدر قبل أيام، إن قيمة الودائع لدى المصارف الخاصة التقليدية ارتفعت إلى 2.746 تريليون ليرة حتى نهاية حزيران/ يونيو العام الجاري.

وأضاف المصرف أن تلك المصارف حققت 1.665 تريليون ليرة في نهاية عام 2020، وبذلك تبلغ الزيادة 1.099 تريليون ليرة، وبمعدل نمو يبلغ 66%، حسب بيانات المصرف.

وقال المركزي السوري إن ارتفاع قيمة الودائع يعود بشكل أكبر للزيادة في ودائع القطاع الخاص بما يعادل 1.036 تريليون ليرة، مقابل زيادة قدرها 62 مليار ليرة لودائع القطاع العام.

مصرفيون، ومختصون في الاقتصاد، تساءلوا عن تلك الزيادة، في واقع يشهد ارتفاعاً كبيراً في مستويات التضخم، كما يشهد عزوفاً عن الإيداع في المصارف.

“كارثة حقيقية”

وكتب الخبير الاقتصادي عامر شهدا في صفحته الشخصية في فيسبوك أنها “كارثة حقيقية” أن يتم اعتماد تلك الأرقام المعلنة عن زيادة الودائع دون أن نأخذ بالحسبان موضوع التضخم وتراجع القوة الشرائية لليرة السورية.

واستشهد “شهدا” بأسعار مادة البيض في نيسان/ أبريل عام 2020، والذي شهد ارتفاعاً بأكثر من 100% في الشهر ذاته العام الحالي.

وقال إن سعر “صحن البيض” كان يعادل 2400 ليرة سورية، ارتفع إلى 7500 ليرة.

وانطلاقاً من هذا المثال، قال “شهدا” إن من كان يودع نصف قيمة صحن البيض في نيسان/ أبريل ٢٠٢٠ (أي ١٢٠٠ ليرة سورية) فاليوم يودع نصف قيمة الصحن بمقدار ٣٧٥٠ ليرة ناتج عن التضخم.

كذلك سأل “شهدا”: “هل تناسى القائمون على السياسة النقدية كم مرة ارتفع سعر المشتقات النفطية: المازوت الصناعي من ٢٦٩ ليرة إلى ٦٠٠ ليرة، وسعر الإسمنت والحديد خلال نفس الفترة، وكم تضخمت الأسعار؟!  ويعلنون زيادة في ودائع القطاع العام ٦٢ مليار!”.

وبذلك هو يرى أنه لا يمكن اعتماد المؤشرات المطروحة، وأنها ليست مؤشراً صحيحاً للاقتصاد الوطني، وقال إن إعلان تلك المؤشرات يعد “استخفافاً بالعقول”.

وأشار شهدا إلى أن السياسات النقدية التي اتبعت مؤخراً كانت تقيد سحب الأموال من المصارف، وتحدد سقفاً أعلى للسحب اليومي. (ضمن إجراءات قسرية اتبعتها الحكومة لوقف التدهور في سعر الصرف).

تدهور غير مسبوق

وشكك أحد الاقتصاديين السوريين في تصريح خاص لنورث برس في أرقام الزيادات التي يعلنها المركزي السوري.

وعلل ذلك بأن التدهور الاقتصادي في سوريا وصل إلى مستويات غير مسبوقة إذ أن جميع مستلزمات الإنتاج غير متوفرة، ربما باستثناء الأيدي العاملة.

وأشار إلى أن ذلك كان نتيجة تعرض البنية التحتية لتدمير وسرقة وتخريب، كما أن معامل كاملة أغلقت أو دمرت، إضافة إلى عدم وجود متطلبات الإنتاج، وخاصة الطاقة التي يتناقص حجم توافرها في البلاد، وهي بالكاد تكفي لتسيير عجلة الأكثر إلحاحا في البلاد.

ويقول الاقتصادي إنه حتى لو تجاوزنا كل ذلك فإن تلك المصارف لا تمنح قروضاً بالقدر الذي يحقق لها أرباحا، كما أن مستويات التضخم تفوق أسعار الفائدة المحددة في المصارف، والتي تتراوح بين 5 ـ 11%، حسب نوع الوديعة، وهو ما يجعل الإيداع في تلك المصارف نوعاً من المجازفة بالخسارة.

وكان سعر الفائدة من القضايا التي طرحها عدد من الاقتصاديين في سوريا، لما لذلك من أهمية في تشجيع اللجوء إلى المصارف، بدلاً من الإيداعات الخارجية، وهو ما يؤدي إلى استنزاف العملة الصعبة، وخفض قيمة الليرة.

وفي وقت سابق، طالب رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق علي كنعان، بضرورة إعادة النظر في سعر الفائدة لدى المصارف “كل 6 أشهر كما هو معمول به دولياً، بهدف الحفاظ على سعر الفائدة كأداة نقدية قصيرة الأجل”.

وقال كنعان في تصريحات صحفية إن “سعر الفائدة في سوريا أحد المنسيات ولم يعد له أثر في السياسة النقدية”.

واقترح تعديل ورفع أسعار الفائدة بما يتوافق مع حالة التضخم الحاصلة وأن يكون سعر الفائدة على الإيداعات بحدود 17- 18%، في حين تكون على الإقراضات بحدود 20-21 %.

وأشار كنعان إلى أن “معدلات التضخم لدينا تجاوزت حسب معظم التقديرات 50%”.

وبلغ متوسط سعر الفائدة نهاية العام الماضي 5.63%، إذ ينخفض إلى 0.02% على الحسابات الجارية، ويرتفع إلى 7.59% على الودائع لأجل، بينما بلغ 11.83%، على التسهيلات الائتمانية لدى المصارف العامة، و13.66% لدى المصارف الخاصة.

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: محمد القاضي