تملح أراض زراعية جنوب الرقة يتسبب بأضرار لأشجار ومحاصيل
الرقة – نورث برس
يعجز عبد الوهاب الناشف (45 عاماً)، وهو مزارع في قرية حويجة السوافي، 3 كم جنوب مدينة الرقة شمالي سوريا، عن إنقاذ أشجاره التي تذبل وتجف واحدة تلو الاخرى بسبب تملح التربة وانسداد قناة الري قرب أرضه.
وتسقي قناة الري المسماة محلياً بقناة “راط”، بطول ستة كيلومترات جنوب الجسر القديم في الرقة، 400 هكتار، ويصل عمقها لثلاثة أمتار وعرضها أربعة أمتار، وهي القناة الوحيدة جنوب المدينة.
وينتشر في القناة حالياً قصب الزل والنباتات المائية التي تعيق جريان المياه ما أدى إلى ارتشاح المياه المالحة من الأراضي إلى القناة بسبب انخفاضها عن مستوى التربة وتسبب في تملح التربة في الأراضي الزراعية عند إعادة ريها من القناة، بحسب مهندسين زراعيين.
ووصل تملح التربة في الأراضي الزراعية التي تسقيها قناة “راط”، جنوب الرقة بنسبة ما يقارب (9.22 بي أتش) من أصل النسبة الطبيعية (7 بي أتش)، ونسبة تملح المياه في القناة 8.75 (بي أتش) من نسبتها الطبيعية (6 بي أتش)، بحسب تحليل لجنة الإدارة المحلية والبيئة في الرقة.
ويعتمد غالبية سكان ريف الرقة الجنوبي على الزراعة كمصدر دخل رئيسي، حيث يزرع القطن والخضروات بجميع أنواعها في الصيف والقمح والشعير والفول وغيرها في الشتاء.
عائق نمو
وفي الآونة الاخيرة، انتشرت في الرقة زراعة الأشجار المثمرة بشكل ملحوظ كالعنب والخوخ والدراق، لقلة تكلفتها وإنتاجها الجيد مقارنة بالمحاصيل الأخرى، إلا أن تملح التربة أصبح يعيق نمو النباتات والأشجار ويتلف المحاصيل الزراعية فيها، بحسب المزارعين.
ويشتكي “الناشف” من تساقط ثمار أشجاره وجفافها بسبب تملح التربة وعدم قدرته على وضع حل لها، “خرج الأمر عن استطاعتي ولم أجد حلاً لإنقاذها من التلف”.
وأضاف أنه زراعة ورعاية ٥٠ شجرة عنب إلى فترة إنتاجها الفعلي بعد خمس سنوات، كلفته أكثر من ثلاثة ملايين ليرة سورية (حوالي 2000 دولار أميركي).
وملوحة الأراضي الجافة يمكن أن تحدث عندما يكون منسوب المياه على عمق مترين إلى ثلاثة أمتار من سطح التربة حيث ترتفع أملاح المياه الجوفية من خلال الناقلات الشعرية الطبيعية إلى سطح التربة.
وقالت كاجين علوش، وهي مهندسة زراعية، إن من أسباب تملح القناة انتشار الزل والنباتات المائية فيها، ما قلل من تدفق المياه مع عدم وجود مصب من الطرف الآخر لها.
ومن أسباب ارتفاع الملوحة في تلك الأراضي استخدام غير المدروس للمبيدات والأسمدة وعدم اتباع الدورة الزراعية، بحسب “علوش”.
ولأن قنوات الري تستهلك كمية قليلة من الأملاح المعدنية فذلك يؤدي لتراكمها ووصولها للأراضي التي تسقيها القناة مجدداً ما يزيد من تملح تلك التربة.
غمر لإبعاد مخاطر
وأضافت “علوش”، لنورث برس، أنه مع مرور الزمن قد تصبح تلك الأراضي غير صالحة للزراعة إذا ما بقيت في هذه الحالة وستحتاج لغمرها بالمياه لإبعاد مخاطر التصحر.
وأشارت إلى أن هذه الأراضي بمعدلها الحالي من التملح غير صالحة سوى للزراعات ذات الجذور العميقة مثل القطن والذرة.
وكان النهر يغدي القناة بشكل طبيعي ويحميها من التملح عندما كانت تصرف المياه من الطرف الثاني الى النهر، بحسب مزارعين في الريف الجنوبي للرقة.
وقال جاسم الجمعة (22 عاماً)، وهو تاجر في سوق الهال، إن إنتاج أرياف الرقة تجاوزت مرحلة الاكتفاء الذاتي وأصبحت توزع للمدن المجاورة الخضروات والفواكه، “لكن يجيب الحفاظ على هذا الإنتاج”.
ويرى “الجمعة” أن إهمال الحل لتملح الأراضي الزراعية قد “يهدد الأمن الغذائي في المنطقة”.
واضطر فؤاد الذياب (45 عاماً)، وهو مزارع في قرية كسرة عفنان، 5 كم جنوب المدينة، لترك أرضه (ثلاثة دوانم) بعد زرعها ببذور الخضروات الصيفية بسبب تملح التربة وخوفاً من زيادة خسارته المادية.
تخوفات من التصحر
وطالب “الذياب” الجهات المختصة والمنظمات الدولية بالتدخل لمنع زيادة تملح التربة، “فقد يؤدي التملح الى انتشار التصحر في المنطقة”.
وأدى تملح التربة وشح مياه القناة وملوحتها وضعف القدرة المادية على الاستمرار في الزراعة إلى عزوف بعض المزارعين عن زراعة أراضيهم، و”مساحة الأراضي غير المزروعة في تزايد”، بحسب المزارع.
وأضاف “الذياب” أن لجنة الزراعة والري في الرقة وعدتنا بتنظيف القناة لكن لم نلق رداً حتى الآن و”الضرر الذي يصيب التربة من تملح لا يحتمل التأخير”.
ويرى “الذياب” أن أسباب عدم إعادة تصريف مياه القناة إلى نهر الفرات، هو انخفاض مستوى النهر وإغلاقه من مدنيين مجاورين للقناة ومقالع قديمة وانعدام الرقابة.
وأعاد ثائر الحسين، وهو مهندس في مكتب الصيانة للجنة الزراعة التابع للمجلس المدني في الرقة، سبب تأخر حل مشكلة القناة لعدم توفر آلية مناسبة لتعزيل القناة.
وقال إن المكتب سيبدأ بتعزيل القناة بالكامل بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل لتصل المياه إلى جميع المزارعين.
إعداد: حسن علي – تحرير: عمر علوش