محصول التين في جبل الزاوية تحت القصف وبين الألغام
إدلب- نورث برس
على بعد ثلاثة كيلو مترات فقط من حواجز القوات الحكومية، يخاطر المزارع صالح السعيد (42 عاماً)، وهو من سكان منطقة جبل الزاوية جنوب إدلب شمال غربي سوريا، بالذهاب إلى أرضه لجني محصوله من التين، على الرغم من مخاوفه، بسبب تعرض المنطقة للقصف المتبادل المستمر بين فصائل المعارضة والقوات الحكومية في ظل التصعيد العسكري بين الجانبين.
ويعتمد العديد من سكان قرى وبلدات جبل الزاوية على مردود جني التين في مثل هذه الأوقات من السنة، والذي يعتبرونه دخلاً جيداً في ظل الظروف التي يعيشونها.
ويعاني السكان في مناطق سيطرة المعارضة السورية من تردي الأوضاع المعيشية والظروف الاقتصادية، وسط نقص كبير بفرص العمل و تدني أجور اليد العاملة.
صعوبة جني المحصول
والأربعاء الفائت، شهدت معظم قرى وبلدات منطقة جبل الزاوية قصفاً مكثفاً متبادلاً بقذائف المدفعية الثقيلة والصواريخ بين قوات حكومة دمشق وفصائل المعارضة في إدلب.
وقال “السعيد” لنورث برس إن محصول التين يحتاج لرعاية مستمرة، وهو أمر مستحيل في منطقة تعتبر خطاً للجبهة وتتعرض بشكلٍ يومي لعشرات القذائف، وهو ما أثر على جودة المحصول وكمية إنتاجه التي تدنت بشكلٍ واضح هذا العام، بسبب قلة الرعاية.
كما أن شجرة التين تحتاج للقطاف عدة مرات، كون ثمارها تنضج على مراحل، الأمر الذي يزيد من صعوبة الجني”.
وأشار إلى أنه تعرض للاستهداف المباشر عدة مرات خلال الأيام الماضية، أثناء عمله مع أولاده في القطاف، كما أن طائرات الاستطلاع لا تكاد تفارق الأجواء و تستهدف أي تحرك في المنطقة.
ويضطر الرجل للمخاطرة بحياته وحياة أولاده عند الذهاب إلى الأرض، كون محصول التين هو مصدر كسب أساسي له.
ولم يتمكن المزارع جهاد الحلاق للعام الثاني على التوالي من قطاف محصول التين من أرضه الواقعة في المنطقة الفاصلة بين فصائل المعارضة ومناطق سيطرة القوات الحكومية بالقرب من بلدة البارة جنوب إدلب.
وفضّل الرجل ترك المحصول دون قطاف، بسبب خطورة الاقتراب من هناك، على الرغم من حاجته الشديدة لثمن ذلك المحصول.
ويشير “الحلاق” إلى الخسائر التي مني بها جراء حرمانه من جني محصوله.
“فجني التين هو من أهم المواسم لدى السكان، نظراً لأسعاره المناسبة وكان يتم تجفيف قسم من الإنتاج في السابق لبيعه للتجار الذين يقومون بدورهم بتصديره إلى الدول المجاورة ودول الخليج”.
ويصل سعر الكيلوغرام الواحد من التين المجفف إلى أكثر من خمسة دولارات، إلا أنه يحتاج إلى رعاية وجهد كبيرين، وهو أمر بات اليوم صعباً بسبب الأوضاع الأمنية، وفقا لمزارعين.
ويقول المزارعون إن انتاج محصول التين هذا العام أقل من السنوات الماضية، وذلك بسبب عدم قدرة المزارعين على العناية بالمحصول بالشكل المطلوب.
إذ أن الأشجار تحتاج إلى الأدوية والمبيدات والتقليم والحراثة، و”كل هذا غائب اليوم بسبب عدم قدرة المزارعين على الوصول إلى أراضيهم في أغلب الأوقات”.
وكانت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) سابقاً وفي بيان صادر عنها مطلع الأسبوع الجاري، حذرت المزارعين في منطقة جبل الزاوية من الاقتراب من الأراضي الزراعية القريبة من مناطق سيطرة القوات الحكومية دون التنسيق مع المكلفين من قبلها بإدارة المنطقة .
وقامت “تحرير الشام” بتقسيم المنطقة إلى ثلاث مناطق، الأولى من جنوب قرية كفر عويد حتى قريتي سفوهن والفطيرة، والثانية كامل الخط المحاذي لبلدة كنصفرة، والثالثة كامل الخط المحاذي لبلدة البارة وقرية دير سنبل شرقاً.
بين الألغام والقصف
أجبرت الظروف المعيشية والأوضاع الاقتصادية، الشاب عبد الرحمن السيد (29 عاماً) للعودة من مخيمات النازحين في ريف إدلب الشمالي إلى منزله في بلدة كنصفرة بجبل الزاوية من أجل العمل في قطاف التين بأجر يومي، في مناطق “خطيرة” وقريبة من نقاط سيطرة القوات الحكومية.
ويخرج “عبد الرحمن” برفقة سبعة من رفاقه بعد منتصف كل ليلة إلى بلدة الفطيرة المحاذية لمناطق سيطرة قوات الحكومة، ومنها يخرجون سيراً على الأقدام للوصول إلى بساتين التين لبدء قطافها، إذ يستمر العمل منذ منتصف الليل وحتى الساعة الخامسة قبل طلوع الشمس قبل أن يبدأ القصف.
وتصل أجور العامل في تلك المناطق إلى 10 ليرات تركية (ما يعادل 3750 ليرة سورية) في الساعة.
ويعمل الشاب لمدة أربع ساعات أو خمس ساعات يومياً ويحصل على ما بين 40 و50 ليرة تركية (ما يعادل نحو 19 ألف ليرة سورية).
يقول إنه مبلغٌ جيد مقارنة بما كان يجنيه من العمل في المخيمات، “حيث لم يكن أجره يتجاوز خمس ليرات تركية للساعة في أحسن الأحوال”.
ويشير إلى أن عملهم ليلاً لا يخلو من مخاطر، “ربما ننجو من القصف، لكن الألغام الأرضية والقذائف غير المتفجّرة تملأ المكان، وتشكل مخاطر كبيرة على حياتنا”.
والخميس الماضي، قُتل طفل من سكان بلدة البارة بجبل الزاوية في انفجار لغم أرضي أثناء عمله في قطاف التين في محيط البلدة، سبقها بساعات إصابة ثلاثة مدنيين في انفجار مماثل بمحيط البلدة نفسها، جرى إسعافهم إلى النقاط الطبية القريبة من المنطقة.
ويضيف “عبد الرحمن” أن أكثر من 80 بالمئة من الأراضي في قرية الفطيرة لا يمكن الوصول إليها، نظراً لقربها من مناطق سيطرة قوات الحكومة وكثرة الألغام ومخلفات الحرب فيها.