كانت هناك تفسيرات مختلفة عند الشيوعيين السوريين للانهيار السوفياتي أواخر عام 1991، من أن هناك “مؤامرة صهيونية- أميركية استطاعت اختراق أعلى هرم قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي في زمن البيرويسترويكا وقادت الاتحاد السوفياتي إلى الانهيار” وهو ما نجده عند قيادة الحزب الشيوعي (بكداش)، فيما نجد عند (تيار قاسيون)،بقيادة الدكتور قدري جميل الذي ترك الحزب الشيوعي (بكداش) في أواخر عام2000، أن “عوامل التدهور السوفياتي قد بدأت مع خروتشوف والمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي عام 1956 التي تم فيه انتقاد ستالين، وأن ميزان القوى العالمي قد بدأ بالميل لصالح المعسكر الأميركي منذ عام 1960 مع بدء الخلاف الصيني- السوفياتي” و(تيار قاسيون) يرى في البيريسترويكا مؤامرة “ولكن أجهزت على بناء سوفياتي ضعيف اقتصادياً ويميل التوازن لغير صالحه”، بينما نجد الحزب الشيوعي الموحد (وهو نتيجة اندماج فصيلي يوسف فيصل ومراد يوسف عام1991) يرى أن “غياب الديموقراطية وأخطاء التطبيق في التجربة الاشتراكية” كانت وراء الانهيار السوفياتي، وهو ما نجده حرفياً في عدد نيسان/ إبريل 1990 من جريدة “نضال الشعب” الناطقة باسم الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) عند معالجة نص الجريدة الذي كان موقعاً باسم اللجنة المركزية للحزب لظاهرة البيريسترويكا التي يعتبرها “إعادة بناء للتجربة الاشتراكية التي عابها غياب الديموقراطية وأخطاء التطبيق”، والنص يراهن على أن البيريسترويكا سترسم تاريخاً جديداً للاتحاد السوفياتي ويتم حل أزمة التجربة الاشتراكية السوفياتية من خلال تلقيحها بالديموقراطية. عند الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، وهو يمثل أعضاء الحزب الذين لم يذهبوا في نيسان/ إبريل 2005 لتأسيس (حزب الشعب) وبقوا متمسكين بالماركسية واسم الحزب، هناك تفسير جديد في البرنامج السياسي الصادر عام 2019 بأن “التجربة السوفياتية 1917-1991 تثبت صحة تحليل ماركس وخطأ لينين بأنه لا يمكن الدخول في الاشتراكية وتحقيق مهمات اشتراكية من دون استنفاد المرحلة الرأسمالية لذاتها. عملياً لم يستطع الشيوعيون في روسيا والصين أكثر من قيادة بلدانهم نحو المرحلة الرأسمالية المتطورة وتجاوز بنية ما قبل الرأسمالية بشكل لا يتجاوز مهمات الثورتين الإنكليزية والفرنسية في القرنين السابع عشر والثامن عشر”.
كانت هذه التفسيرات مداخل نحو مآلات مختلفة… حيث نجد عند الحزب الشيوعي (بكداش) تمسك بالستالينية، وكذلك عند (تيار قاسيون) الذي صار اسمه (حزب الإرادة الشعبية)، مع ميول سياسية عند كليهما إلى تفسير الوضع العالمي من خلال أن “هناك توازناً جديداً من الناحية الدولية مع تشكل تحالف روسي- صيني” يجعل القطب الأميركي يواجه جواً دولياً جديداً يتميز بتعدد الأقطاب. عند الحزب الشيوعي الموحد هناك ميل نحو “نظرية الممانعة والمقاومة” مرفقة بالاعتقاد بأن الجو الدولي قد تجاوز في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين القطبية الواحدية الأميركية للعالم التي نشأت بعد الانهيار السوفياتي، وأن الجو الدولي يتجه بشكل مضطرد نحو ميزان دولي جديد لغير صالح واشنطن. عند قيادة الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) التي كانت وراء نص “نضال الشعب” في نيسان/ إبريل1990 كانت المآلات تتمثل في خلع قميص الماركسية والاتجاه نحو الليبرالية. عند الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) كان هناك اتجاه مبني على الرؤية للتجربة السوفياتية نحو التخلي عن مقولة (الماركسية-اللينينية) مع تبني (الماركسية) منهجاً للتحليل، مع رؤية يقدمها برنامج 2019 بأنه “مازالت القطبية الأميركية الواحدية للعالم قائمة، ولكن هناك تحديات لها ذات طابع اقتصادي وتقني تقدمها الصين، وهناك تحديات سياسية وعسكرية تقدمها روسيا”.
في (حزب الشعب) كانت المراهنة على أن التجربة الأميركية في عراق 2003 ستثنيها واشنطن في سوريا وهو كان الدافع عند هؤلاء لتشكيل جسم سياسي معارض عريض لملاقاة ذلك متمثلاً في “إعلان دمشق” الذي تشكل في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2005 ثم كرروا ذلك بالتحالف مع الإسلاميين في “المجلس الوطني” عام 2011 و”الائتلاف” عام2012. في الأزمة السورية التي بدأت في آذار/ مارس 2011 كانت مواقف الفصائل المنبثقة عن الحزب الشيوعي السوري متباينة من الوقوف مع السلطة السورية في الأزمة، كما نجد عند الحزب الشيوعي (بكداش) والحزب الشيوعي الموحد، فيما تردد حزب الإرادة الشعبية بين الدخول في الوزارة (حزيران2012- تشرين الأول2013) وبين المعارضة للسلطة منذ ربيع2014، بينما اتجه حزب الشعب للتحالف مع الإسلاميين في “المجلس” و”الائتلاف”، فيما اتجه الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) لأن يكون في (هيئة التنسيق الوطنية) منذ تأسيسها في 25حزيران/ يونيو2011 وهي التي تنادي برفض العنف المعارض وبرفض المراهنة على التدخل العسكري الخارجي مع تأييد الهيئة لحل تسووي للأزمة السورية، وهو ما يمثل بالخطوط الثلاثة المذكورة تعارضاً جبهياً مع خط “المجلس” ووريثه “الائتلاف”.
في الخلاصة، تمثل انقسامات الحزب الشيوعي السوري منذ انشقاق 3نيسان/ إبريل 1972 بين الحزب الشيوعي (بكداش) والحزب الشيوعي (المكتب السياسي)،والتي تطورت فيما بعد في انشقاق فصيل مراد يوسف عام 1979 وفصيل يوسف فيصل عن بكداش عام 1986، مداخل إلى التفسيرات المختلفة للانهيار السوفياتي. يمكن للحمولات الأيديولوجية لهذه التفسيرات أن تفسر الرؤى المختلفة للوضع الدولي ما بعد الانهيار السوفياتي، كما أن المواقع المختلفة لهذه الفصائل في الخريطة السياسية السورية خلال فترة 1972-2011 تفسر المواقف المختلفة تجاه وضع ما بعد الأزمة السورية، مع الاستثناء الذي يمثله حزب الإرادة الشعبية في الخروج عن هذه القاعدة.