حلب- نورث برس
حصل محمود العابد (25 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد الشبان من منطقة الذهبية بمدينة حلب، شمالي سوريا، على بطاقة أمنية مقابل مبلغ مالي يدفعه سنوياً للواء القدس التابع إدارياً لشعبة المخابرات العسكرية في المدينة، في محاولة للتهرب من الخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف القوات الحكومية.
يقول الشاب إنه لا يريد أن يخسر حياته في الحرب بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة منذ 11 عاماً، “فلأخسر المال، لكن المهم هو وجودي بين عائلتي”.
ويقوم أشخاص من ذوي الدخل الجيد وأبناء العائلات الثرية في مناطق سيطرة الحكومة السورية بشراء بطاقات عضوية من الأفرع الأمنية، مقابل مبالغ محددة، وذلك بهدف التهرب من أداء الخدمة الإلزامية ضمن القوات الحكومية وتأمين الحماية والحصول على امتيازات معينة لفترات محددة.
وكانت مدة الخدمة العسكرية قبل اندلاع الحرب في سوريا محددة بـ 18 شهراً، إلا أنه ومع احتدام الحرب، أصبحت نهاية الخدمة العسكرية غير معروفة بسبب الاحتفاظ بالمجندين.
يشير “العابد” إلى أنه اشترى البطاقة الأمنية من لواء القدس منذ 2016، لأنه أدرك أن مصيره “المحتوم هو الموت، مثل بقية المجندين إذا التحق بالخدمة الإلزامية”.
ومع بداية الحرب في سوريا، تشكل لواء القدس التابع لإدارة شعبة المخابرات العسكرية السورية على يد المهندس الفلسطيني محمد السعيد، ليكون رديفاً للقوات الحكومية.
وتصدر البطاقات الأمنية الخاصة بلواء القدس عن المكتب الخاص لقائد اللواء محمد السعيد، “وهو يوقع عليها بنفسه”، بحسب مصدر من لواء القدس، اشترط عدم نشر اسمه.
ميزات وأسعار
ويبلغ سعر البطاقة الأمنية الصادرة عن لواء القدس 300 ألف ليرة سورية، صالحة لمدة 12 شهراً، بحسب “العابد”.
لكن هذه البطاقة بحسب المصدر من لواء القدس، “لا تحمي حاملها من التفييش (تدقيق الهوية الشخصية) في كافة أحياء المدينة، بل تسهل عليه الانتقال ضمن الأحياء التي تتركز في القسم الشرقي فقط، حيث يسيطر اللواء ويُمنع على دوريات الشرطة العسكرية الدخول إليها”.
وقال تاج الدين حنيفة، وهو تاجر ذهب في المدينة، إنه حصل على “بطاقة أمن مؤقتة”، لتسهيل انتقاله بين المحافظات أثناء عمله مع التجار.
وأضاف أن “جميع تجار وأصحاب محال الذهب في حلب يحملون مثل هذه البطاقة، لحماية أنفسهم من اللصوص وقطاعي الطرق.”
وتسمح البطاقة الأمنية المؤقتة للتجار الكبار وتجار المعادن الثمينة بحمل بندقية رشاشة ومسدس في سياراتهم عند السفر والانتقال، بحسب التاجر.
لكن مصدراً في أحد الأفرع الأمنية الحكومية بحلب قال إن تلك البطاقة تحمي أيضاً المطلوبين للخدمة العسكرية الإجبارية لدى القوات الحكومية، “لأنها تخول حاملها الحماية الكاملة من التفييش، إضافة لحملهم السلاح”.
وتتميز هذه البطاقة أنها ليزرية، على عكس بطاقة لواء القدس، ويبلغ سعرها حالياً 800 ألف ليرة سورية، ومدتها 12 شهراً”.
وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم نشر هويته: “يتم إصدار البطاقة من مكتب المتابعة في الفرع 17 التابع لشعبة المخابرات العسكرية، وهو الفرع المسؤول عن الأمور الإدارية لباقي الأفرع التابعة لشعبة المخابرات، ومهمته تنظيم عمل المخابرات السورية.”
بطاقات للمسؤولين
وبالإضافة للبطاقة المؤقتة وبطاقة التاجر، هناك بطاقة تُسمى الأمن القومي أو “بطاقة جوال”، وتصدر عن مكتب المتابعة في الفرع.
وأشار المصدر في الأمن الحكومي إلى أن هذه البطاقة، “تُمنح فقط لأبناء المسؤولين والسياسيين التابعين للحكومة وحزب البعث، بعد إصدارهم ورقة غير محكوم”.
وتحمي هذه حاملها من التفييش أو اعتراض أي جهة أمنية أو عسكريه له بأي شكل من الأشكال، ويبلغ سعرها مليون و 150 ألف ليرة سورية ومدتها أيضا 12 شهراً”.
وقال جابر محمد (30 عاماً)، وهو اسم مستعار لتاجر بطاريات ومطلوب للخدمة الاحتياطية، إنه استطاع تأمين بطاقة “أمن الرابعة”، وهي بطاقة أمنية أيضاً، بمبلغ 500 ألف ليرة صالحة لمدة ستة أشهر.
يقوم الشاب بتجديدها بشكل مستمر، للتهرب من أداء الخدمة الاحتياطية وكي يتمكن من الاستمرار في عمله.
وتصدر البطاقة من “مكتب أمن الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، وتحمل أختام كل من اللجنة الأمنية ومكتب الأمن في المحافظة ومسؤول مكتب الأمن”.
“وتحمي البطاقة حاملها من التفييش، ولكن لا تخوله حمل السلاح”، بحسب “محمد”.
ويحمل هذه البطاقة غالباً التجار وأبناء الأثرياء الذين لا يريدون أداء الخدمة الإلزامية أو الخدمة الاحتياطية.
وتنتشر في مدينة حلب بطاقات أمنية أخرى، كبطاقة أبناء العشائر في حلب، ومدتها 12 شهراً، وتحمي هذه البطاقات جميعاً حامليها من التفيش على الحواجز، ولكن سعرها متفاوت حسب الميزات وسلطة الجهة التي تمنحها.
وتصدر بطاقة “الدفاع المحلي” عن القنصل الإيراني في حلب، وغالبية من يحملونها هم من أبناء الطائفة الشيعية المتخلفين عن الخدمة الإلزامية كأبناء مدن نبل والزهراء وكفريا والفوعة.
وكان هؤلاء، قد قاموا بتسوية أوضاعهم بعد خروجهم من الحصار الذي فرضته عليهم المعارضة المسلحة، حيث تم إعفاؤهم من الخدمة الإلزامية.