كيف تؤثّر تطوّرات أفغانستان على مستقبل الوجود الأميركي في سوريا والعراق؟
واشنطن- نورث برس
كشف الرائد نيكول فاريرا، المتحدّث باسم القيادة المركزية الأميركية، الأحد، عن قيام القوات الأميركية بشن عدد من الغارات الجوية في أفغانستان لمساعدة الجيش الأفغاني الذي خسر مواقع استراتيجية أمام تقدّم طالبان.
وتمكّنت حركة طالبان، خلال 24 ساعة، من السيطرة على عواصم ثلاث ولايات حيث سقطت مدينة شبرغان عاصمة ولاية جوزجان، ومدينة زرنج عاصمة ولاية نيمروز، ومدينة تالقان الواقعة في ولاية تخار، بيدها وسط توسّع سريع للحركة منذ بدء سحب القوات الاجنبية في أيار/ مايو الماضي.
وانتقدت السفارة الأميركية في كابول الهجمات على المدن الأفغانية، الأحد، معربة عن رفضها لفرض طالبان حكمها بالقوة على المدنيين الأمر الذي يعارض محادثات السلام في الدوحة.
وتزامناً مع تقدّم طالبان، نفّذت جهات مجهولة عمليات اغتيال لنشطاء بارزين في أفغانستان من منتقدي حركة طالبان، في محاولة من لإطباق سيطرتها الكاملة على البلاد.
واعتبرت شبكة “سي إن إن” الأميركية سيطرة طالبان على “قندوز”، وهي واحدة من العواصم الاقليمية لأفغانستان، انتصاراً عسكرياً كبيراً لطالبان وخطوة تخلق تبايناً في القوى بين القوات الأفغانية الحكومية وقوات طالبان.
تأثيرات على التواجد الأميركي في سوريا والعراق
ولطالما ربط صنّاع القرار في أميركا تواجد الجيش الأميركي في كل من العراق وسوريا بملف الحرب في أفغانستان، لتضع ادارة ترمب الوجود الأميركي في الدول الثلاثة في سلة “الحروب غير المنتهية” والتي يتعيّن على الولايات المتحدة إنهائها في سبيل الالتفات إلى المشكلات الداخلية، والتركيز على ملف يأخذ حيّزاً كبيراً من اهتمام وزارة الخارجية الأميركية وهو ملف الصين.
إلا أن التطورات الأخيرة والمتوقعة إلى حد كبير في أفغانستان، أعادت الحديث عن الوجود الأميركي في العراق وسوريا الى الواجهة، لتنشر عدد من الصحف الأميركية سيناريوهات متخيلة لما قد يكون عليه الوضع في سوريا والعراق إذا ما أقدمت واشنطن على اتخاذ قرار الانسحاب النهائي من المنطقة.
ورأت مجلة “نيويوركر” الأميركية أن المشهد الحالي في أفغانستان يجعل إدارة جو بايدن تفكّر مراراً قبل تكرار تجربة أفغانستان في سوريا والعراق، فمن المحتمل أن يرهب بايدن إرثه السياسي بفضيحة التنازل لـ”داعش والأسد والمتطرفين السنة والشيعة وحزب الله وروسيا، بالإضافة الى تمكينه روسيا من الوصول إلى المتوسط”.
ونقلت المجلة عن “ماكينزي” قوله إن تنظيم “داعش” لا يزال يملك كل الظروف للعودة في كل من سوريا والعراق، وبالتالي يعني التفكير في الانسحاب من البلدين “مستقبلاً يحمل الكثير من الدماء”.
كما أعرب “ماكينزي” عن قلقه من تركيز الولايات المتحدة لأعوام على هزيمة صدام والمرتبطين به، ما أدى إلى انبثاق جماعات متطرفة تضر بالمصالح الأميركية وتعرّض نفوذ واشنطن لخطر بعيد الأمد في الشرق الأوسط.
سيناريوهات محتملة في سوريا والعراق
وشدّد نيكولاس هاريس، وهو خبير في الدراسات الأمنية، على ضرورة استمرار الوجود الأميركي على الأراضي السورية وعدم وقوع المنطقة بأيدي روسيا.
وحذر من تكرار “سيناريو درعا” إذا ما خرجت أميركا ووثقت قوات سوريا الديمقراطية بالوسيط الروسي.
ومن جهتها، قالت إيرينا تسوكرمان، وهي محللة في الشأن القومي الأميركي، لنورث برس، إن الآثار السيئة للانسحاب الأميركي من أفغانستان وهروب القوات الأميركية المفاجئ من قاعدة “باغرام” الشهر الماضي يرسل رسائل تعارض مصالح أميركا وترسم صورة “ضعيفة وجبانة” للولايات المتحدة في أذهان الأصدقاء والأعداء.
وأضافت: “منذ مغادرة الولايات المتحدة لقاعدة باغرام منتصف الليل تاركة وراءها خمسة آلاف أسير من طالبان، بدأ تصعيد طالبان يأخذ شكلاً مبالغاً فيه، حيث أظهرت الولايات المتحدة عدم استعدادها للتمسك بأي مكتسبات، كما انعكس هذا الشكل من الانسحاب على معارك أخرى، فالميليشيات المقرّبة من إيران زادت من تصعيدها في العراق ضد المصالح الأميركية في إشارة الى استعدادها لتكرار تجربة طالبان في الضغط على الولايات المتحدة واستغلال رغبتها في الانسحاب”.
وكشفت “تسوكرمان” عن صفقة تعرضها الجماعات المقرّبة من ايران على الولايات المتحدة محورها عقد “سلام دائم” مع الولايات المتحدة مقابل انسحاب كامل من العراق، وهذا ما وعدت به طالبان أيضاً.
ويعني قبول الولايات المتحدة بهذا الخيار إطباق إيران نفسها السيطرة على الأراضي العراقية بسرعة قياسية كما يحدث اليوم في أفغانستان. بحسب “تسوكرمان”.
وتقول تسوكرمان، إن كلاً من روسيا والميليشيات المدعومة تركياً ومن ورائها تركيا يعملون على تكرار السيناريو الأفغاني في سوريا من خلال القيام بعدّة تحرّكات ضمن خطة “استراتيجية محكمة” تعقّد الموقف الأميركي في سوريا.
وتهدف الاستراتيجية إلى جعل واشنطن تشعر أن الحل الأسلم هو “الانسحاب النهائي” والتخلّي عن قوات سوريا الديموقراطية لأن استمرار تقديم الدعم للكرد في سوريا يتطلّب على عدة جبهات لا تقتصر على مواجهة تركيا و”داعش” بل تمتد الى التعامل مع مشكلات أخرى منها النفوذ الإيراني ونظام الأسد وشكل توزيع الموارد في سوريا.
وكذلك التدخل بشكل أكبر في صياغة الحل السياسي لسوريا وكل هذه أمور لا تملك واشنطن الأدوات والنية للتعامل معها، على حد قول “تسوكرمان”.