الرقة – نورث برس
يعيش أكرم الحمود (47 عاماً)، وهو من سكان مدينة الرقة، شمالي سوريا، وزوجته في منزل مؤلف من غرفة واحدة شبه مدمرة في حارة البدو وسط المدينة، لعدم قدرتهم على استئجار غيره لأن دخله الشهري لا يسد نصف آجار منزل مجهز، إلى جانب صعوبة تأمين قوته واحتياجاته اليومية هو وعائلته.
ويشتكي العامل “الحمود” الذي يقبض بالليرة السورية مقابل عمله في العتالة في ساحة العمال في دوار الدلة وسط مدينة الرقة، من غلاء آجار المنازل الذي وصل لما بين 50 و200 دولار أميركي في الشهر الواحد.
ويأتي ارتفاع أسعار الإيجارات وسط الدمار الذي لحق بالمدينة أثناء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عام 2017، وتزايد أعداد النازحين في المدينة من مناطق سورية أخرى.
لكن البعض يتهم مالكي عقارات باستغلال قلة المنازل المعروضة للإيجار في المدينة لرفع الأجرة دون اعتبار لأحوال نازحين وعمال وموظفين لا طاقة لهم بتلك المبالغ.
وشهدت مدينة الرقة أحد أعنف الحروب الأكثر تدميراً في الحرب الحديثة، فالهجوم الذي استمر من السادس من حزيران/ يونيو إلى السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2017، حوّل معظم المنازل والشركات والبنية التحتية إلى أنقاض بعد تفخيخ الدولة الإسلامية معظم الأماكن العامة والمنازل بعبوات ناسفة.
وتضم مدينة الرقة أكثر من 100 حي إلا أن المساكن والفردوس، والثكنة، والأدخار، وحي حارة البدو، تعتبر أكبر الأحياء في المدينة بالإضافة إلى حي رميلة وحي المشلب في الأطراف الشرقية للمدينة وحي الدرعية غربيها.
وفي عام 2020، بلغ عدد سكان مدينة الرقة 935 ألف نسمة، يسكن 432 ألفاً في المدينة و508 ألف في الريف، وكان منهم 115 ألف وافداً، بحسب إحصائيات مكتب الإحصاء في مجلس الرقة المدني.
“أحياء طبقية”
وقال محمد حسو (35 عاماً) موظف في إحدى المنظمات الدولية في الرقة، يسكن في شارع الاندلس، إن عدم ضبط أسعار الآجارات شكل نوعاً من الطبقية في الرقة فيسكن العمال في أطراف المدينة والموظفين وأصحاب المهن في أحياء متوسطة الخدمة وموظفي المنظمات والتجار الكبار في الأحياء المرفهة.
وأضاف “حسو” أن تخوف السكان من عدم الحصول على منزل للآجار جعلت بعض أصحاب العقارات يشترطون على المستأجرين استلام كروت المول التي توزعها المنظمات الإغاثية وتسليمها لهم مقابل تأجير المنزل.
وأعاد “سفيان الأحمد” وهو متعهد بناء وصاحب مكتب عقاري في الرقة، ارتفاع أسعار استئجار المنازل إلى قدوم عدد كبير من النازحين إلى المدينة، ما أدى لارتفاع تكلفة انشاء العقارات من مواد البناء كالحديد والاسمنت.
وسجلت مواد البناء في مدينة الرقة ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، ووصلت أسعار معظم مواد البناء إلى الضعف، حيث تجاوز سعر طن الاسمنت 300 دولار أميركي، وطن الحديد ما يقارب ٩٥٠ دولار أميركياً، بحسب “الأحمد”.
وأضاف أن معظم المنازل المستأجرة غير مأهولة وليست صالحة للسكن، ولكن حاجة السكان لمأوى هو ما دفعهم للسكن فيها، بعد حركة النزوح الكبيرة في المدينة، ما أدى إلى امتلاء البيوت وخلق أزمة سكنية.
وشهدت مدينة الرقة في الآونة الأخيرة حركة نزوح كبيرة من مناطق تل أبيض وسلوك 100 كيلومتر شمال الرقة، إليها، وذلك بسبب سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها على المدينتين في أواخر العام 2019.
وقال محمد يازجي، (45عاما) وهو صاحب مكتب عقاري في شارع الكنيسة في الرقة، إن بعض السكان يؤجرون بيوتاً ليست ملكهم لأن أصحابها لجئوا إلى خارج سوريا بأسعار عالية دون امتلاك ثبوتيات ملكيتها وبأسعار عالية ساعدت في خلق نوع من الأزمة والغلاء.
قانون غائب
وأضاف “يازجي” أن على بلدية الشعب في الرقة أن تضع قانوناً لإجراءات الاستئجار والتأجير أسوة بمناطق الجزيرة.
وفي شباط/فبراير الماضي، أصدر المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة، قراراً لتحديد أسعار إيجارات المنازل وتنظيم عملية التأجير والاستئجار.
وتصل حقوق التأمين على المنزل المستأجر إلى 30 ألف ليرة سورية، للمنازل غير المفروشة و200 دولار للمفروشة، تدفع إلى صاحب العقار علاوة عن رسوم كتابة العقد الذي يصل إلى 35 ألف ليرة سورية تقريباً.
وأشار “يازجي” إلى أن مكتب دائرة العقارات في الرقة مغلق، وكان من المفترض أن يقوم بالتواصل مع البلدية لوضع قانون يضبط أسعار استئجار العقارات.
لكن بما أن البلدية تسير شؤون العقارات “فعليها أن تحل هذه المشكلة التي لا تتطلب الكثير من الجهد”، على حد وصف.
ودائرة العقارات هي إحدى منظمات المجتمع المدني التي تعمل لتكون صلة وصل بين قوانين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وشرائح المجتمع في الشؤون العقارية.
وأشار “يازجي” إلى أنه يجب أن تكون جميع العقود العقارية عن طريق مكتب الضابطة في بلدية الشعب في الرقة من بيع وشراء واستئجار.
وحاولت نورث برس، الحصول على تصريح من بلدية الشعب في الرقة للاستفسار عن دور البلدية في ارتفاع أسعار المنازل لكنها لم تدلِ بأي تصريح وطلبت مراجعة لجنة الإدارة المحلية في الرقة التي بدورها امتنعت عن التصريح.
ومن جهتها قالت فضيلة حمادة وهي الرئيس المشارك للمكتب القانوني في المجلس التشريعي التابع للمجلس المدني في الرقة، إنه لا يوجد لديهم قانون يضبط أسعار آجار العقارات إلى الآن ولا يوجد دراسة لوضع قانون له حالياً.