سكان في حماة ضحية مكالمات تبتزهم بعد توجيه تهم أمنية

حماة – نورث  برس

يرفض نزار حلوم (42 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان حي تشرين في مدينة حماة، وسط سوريا، اتهامه بالسذاجة بعد تعرضه لاحتيال عبر مكالمة هاتفية لشخص ادعى أنه عنصر أمن سيساعده في إزالة اسمه من قوائم المطلوبين للفروع الأمنية الحكومية.

يقول “حلوم” إن أسلوب حديث المتصل ولهجته كانا قريبين من نبرة كلام عناصر الأمن الحكومي في حماة، وإنه ذكر معلومات شخصية وعائلية دقيقة عنه.

ويتعرض سكان في حماة لعمليات ابتزاز من أشخاص غير معروفي الهوية، يتواصلون معهم عبر انتحال صفات أمنية لطلب تحويل أرصدة هاتف بقيمة عشرات الآلاف، بعد توجيه اتهامات ضدهم أو تهديدهم بالاعتقال.

ويقوم المتصل بإيهام الشخص المستهدف بصدق كلامه عبر تقديمه معلومات عن عمله ومكان تواجده أو تهم سابقة وجهت له أو لأحد معارفه من قبل فروع الأمن، وهو ما يدفع اشخاصاً للاستجابة لمطالبه.

معلومات دقيقة

واتهم المتصل، الذي ادعى أنه من فرع الأمن العسكري، “حلوم” بأنه على تواصل مع “إرهابيين” ضد الدولة وأخبره بأن اسمه معمم على كافة الحواجز وهو مطلوب من قبل الأجهزة الأمنية.

ولم يترك المتصل للرجل فرصة لطرح سؤال أو استفسار، إذ ذكّره باسمه الكامل وعنوان إقامته ومعارفه الذين يتواجدون خارج البلاد أو في مناطق خارج سيطرة الحكومة.

وادعى أنه يتصل لمساعدته والوقوف إلى جانبه قبل استفحال قضيته وتعقدها، بحسب ما روى “حلوم”.

وأعقب ذلك بالطلب منه أن يذهب لأقرب محل للهواتف وتحويل رصيد بقيمة 30 ألف ليرة سورية إلى “رقم الضابط المسؤول، ومن الممكن بعدها أن نساعدك ونقف إلى جانبك.”

يقول الرجل الأربعيني إنه لم يفكر لوهلة في أنه يتعرض في هذه الأثناء لاحتيال وعملية ابتزاز مخادعة.

وخوفاً من التعرض للاعتقال، قام بتحويل الرصيد للرمز الذي استلمه من المتصل الذي وعده أنه سيتواصل معه في اليوم التالي للقيام بالإجراءات المطلوبة، من أجل إزالة اسمه من قائمة المطلوبين المعممة على الحواجز الحكومية.

“في اليوم التالي، قمت بالاتصال به وكان الهاتف مغلقاً لأيام متتالية، فعلمت أني تعرضت لاحتيال.”

مخاوف مساعدة

ولا يملك من تعرضوا لعمليات الابتزاز الأخيرة أي أجوبة لتساؤلاتهم حول كيفية حصول المحتالين على بياناتهم ومعلومات دقيقة، بعضها يتعلق بالفعل بملفات أمنية لأفراد من العائلة أو أصدقاء مقربين.

لكنهم يتفقون أن ما تعرضوا له احتيال عبر تهم غير حقيقية سواء أكان الشخص المحتال من عناصر أفرع الأمن الحكومي أو غيرهم.

وقال علي طباع (38 عاماً)، وهو اسم مستعار لصاحب محل لأرصدة الهواتف، إنه كثر في الآونة الأخيرة مجيء سكان لمحله لطلب تحويل رصيد بقيمة عشرات الآلاف “والارتباك والخوف يظهر على وجوههم.”

وعند استفسار صاحب المحل عن سبب التحويل بمبالغ كبيرة، “يقولون إنهم بحاجة لاستخدامها للاتصال بالإنترنت أو إجراء مكالمة مع قريب خارج البلاد وعدة روايات أخرى غير مقنعة.”

وذكر “طباع” أن رجلاً ستينياً طلب قبل مدة تحويل رصيد بقيمة مئة ألف ليرة لرقمي هاتف، بعد أن تعرض لتهديد باعتقال ابنه الوحيد.

ورغم أن صاحب المحل لم يكن يملك هكذا رصيد لتحويله، إلا أنه تودد للرجل المسن حتى عرف تفاصيل الاتصالين اللذين تلقاهما.

يقول “طباع”: “تواصلت مع عنصر في الأمن السياسي أعرفه سابقاً، وعلمت أن الفرع لا يحتوي أي ضابط بالرتبة والاسم اللذين ذكرهما الرجل نقلاً عن المتصل به، فأخبرت الرجل ألا يخاف من المحتال الذي يتصل معه.”

لكن هذه الطريقة لا تجدي نفعاً مع أشخاص آخرين يسرعون إلى محال أخرى لتحويل الرصيد والخلاص من خوفهم بسبب الخطر المحتمل، بحسب صاحب المحل.

الأساليب نفسها

وتكفي في سوريا سماع كلمة “أمن” لتخويف حتى المقربين من السلطات، لا سيما في مدن مثل حماة بسبب كثرة الاعتقالات فيها، إلى جانب السمعة السيئة لعناصر الأمن وتلقيهم رشاوى علنية من السكان.

وخلال عقد من الحرب في سوريا وحتى قبله، اعتاد عناصر أمن ومن يعرفون بالشبيحة والمتطوعون لدى القوات الحكومية القيام بابتزاز الناس عبر اتهامات مختلفة بحسب المنطقة.

وكانت تهمة “التعامل مع جهات خارجية” رائجة على طول الحدود السورية مع دول الجوار، إلى جانب تهم تتعلق بانتماء سكان المنطقة الديني أو القومي، وساعدت في ذلك تعدد الفروع الأمنية إلى جانب تقارير الفرق الحزبية لحزب البعث.

بالإضافة إلى تهم من قبيل “خطر على أمن الدولة” أو “محاولة وهن عزيمة الأمة” أو “النيل من هيبة الدولة”  أو “اقتطاع أجزاء من سوريا وضمها لدولة أجنبية”.

وما زال في سجون السلطات السوريّة أكثر من 152 ألف معتقل، بينهم نحو 40 ألف امرأة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وتلقت سوزان الصمودي (38 عاماً)، وهو اسم مستعار لسيدة تعيش في حماة، اتصالاً لمرتين على التوالي، لاتهامها بالعمل مع معارضين للحكومة.

وقالت: “صرخ الشخص المتصل في وجهي، وقام بشتمي بألفاظ نابية لأنني لم أردّ في المرة الأولى.”

وأضافت: “ادعى أنه من أمن الدولة وطلب معلومات عن مكان إقامتي واسم والدي، سمعت صوته بعدها يقول لآخر: نعم سيدي هذه هي المرأة المطلوبة.”

وعاود الشخص الاتصال في المرة الثالثة ليطلب من السيدة تحويل رصيد بقيمة 15 ألف ليرة سورية لمساعدتها، طالباً منها عدم إفصاح الأمر لأحد، حتى تتم إزالة التهمة لدى كافة الجهات.

وخوفاً من الاعتقال، سارعت المرأة لتحويل الرصيد، للرقم الذي بات مقفلاً منذ ذلك اليوم.

وبسبب خوفها، لم تذهب “الصمودي” لعملها عدة أيام، لتخبرها صديقة علمت بسرها أنها تعرضت سابقاً لاحتيال من النوع نفسه.

إعداد: علا محمد – تحرير: حكيم أحمد