الفن وأسئلة الزمن في لوحة (ملاك التاريخ) للرسام “بول كليه”

القامشلي ـ نورث برس

على الحدود الفرنسية ـ الإسبانية، هارباً من غزو الفيرماخت ـ النازية، انتحر الفيلسوف “فالتر بنجامين” تاركاً وراءه أحد أهم نصوصه المسماة (أطروحات عن فلسفة التاريخ)، وفيها محاولة فريدة لتشخيص وتفسير ظهور النازية، وهذا السؤال البديهي ـ البسيط: كيف خرجت النازية من رحم المجتمع الغربي التنويري العقلاني..؟.

والتاريخ، بحسب بنجامين، هو حلقة مستمرة من حالة الطوارئ التاريخية، تاريخ القتل، وتلك الحالة هي القاعدة، وليست الاستثناء. فالتاريخ ليس إلا عبارة عن رقصة على جثث الموتى، وكان بنجامين متشائماً من الحالة التاريخية العقيمة.

ولكن، ما علاقة هذه الحكاية بلوحة (ملاك التاريخ ـ ملاك الموت) للرسام “بول كليه”؟.

لوحة “ملاك التاريخ”، للفنان “بول كليه”.

يقول أحد المفكرين إنَّ الفن، إنْ فُهِمَتْ مفرادته، شكَّل دفقة روحية رفيعة. منها هذه اللوحة، التي اشتراها بنجامين، ليتبين فيما بعد أنها مثلت مادة حفَّازة حقيقية لفكره، حيث رأى فيها ملاكاً ينظر إلى الأمام والخلف معاً، وبذلك فهو يتأمل في تاريخ حافل بالحروب والدمار، وفي ما هو آت، أي أن ملاك التاريخ هذا يعبر عن ذاكرةٍ لماضي البشرية الحزين، وعن قلقٍ على مستقبلها الغامض. وعندما كتب بنجامين أطروحته المذكورة.. كانت هذه اللوحة الصغيرة (32 × 24) مصدر إلهام له.

يقول بنجامين عن لوحة “ملاك التاريخ” ذاك: “يظهر الملاك في اللوحة وهو على وشك أن يبتعد عن مشهد كان مستغرقاً في تأمله، عيناه شاخصتان، وفمه مفتوح، وجناحاه مبسوطان، وقد أعطى وجهه للماضي، حيث سلسلة من الأحداث تظهر له، مركزاً على كارثة بعينها تتراكم دماراً فوق دمار ويتطاير الحطام ليتراكم أمام قدميه.”

ويضيف: “يرغب الملاك في البقاء وإيقاظ الموتى وإعادة بناء ما تم تحطيمه، لكن عاصفة تهب من الفردوس، وتشتبك بجناحيه بعنف بحيث لا يعود بوسعه طيهما. وتقذفه العاصفة نحو المستقبل الذي أدار له ظهره، بينما يتعالى الحطام أمامه ليبلغ السماء.”

من خلال هذه اللوحة، يمنحنا “بنجامين” فهماً جديداً لدور الفن، واعتباره علامة بارزة تستبصر طريق الشعوب ومآلاتهم.

والسؤال الأخير، هو: هل لا يزال للفن مكان في روح هذا الزمان؟

يبدو أن الفن في هذا العصر مُغّررٌ به، ومُغَرَّب عنَّا. ولكن، ما يزال تأثيره عميقاً وكثيفاً، يطوف بمعية روحه على / وفوق مكان من التناقضات (..) مكان لا ماء فيه. وعلى هذا الحال، فإن حقيقة الفن عامل يحدد مجال الرؤية الذي يتمتع به الفن بمعية الفنان، لاستقصاء التاريخ، تاريخ الماضي، والحاضر، والمستقبل.

كما يقول نيتشه: لدينا الفن كي لا نموت من الحقيقة. يقول “كانط: “الفن ليس تصويراً لشيءٍ جميلٍ، إنما تصوير جميل لشيء”.

عن التاريخ المُروِّع والسيء للغاية.. عن الأشياء التي من الممكن أن نتفاداها. عن الفن الحقيقي، أكتب.

إعداد وتحرير: محي الدين ملك