عَلاَم الـ (حب).. ولِما الفن..!؟

القامشلي ـ نورث برس

السؤال الأول، ساكن في قلب كل إنسان طيلة إقامته.. وهذا السؤال بحقيقته الحقَّة إنما يكشف للإنسان كيف أنه بعيد عنه، وكيف أن قربه منه لم يتجاوز قيد أُنملة.. بعد. فيمضي تائهاً بين / وفي أحلامه، ويظل الحب حاديها.. إلى حيث سكناه. حتى ليكاد الإنسان يوجز تاريخه بكلمة: حب. الشيء الذي لا يُعرَّف.. هذا الذي يُجرَّب.. رغم أنه الوجه الآخر للإنسان.

يُقال، ما كل ما يتمناه المرء يدركه، ليس في أتون بحر هائج فحسب، بل وحين تغرب أنوار القلب المدهش، عند هذا العتبة يبدأ مخاض الحب، هذا الكائن الذي يتناسل مواجيد وأشواق، في محاولة لعبور البرزخ الفاصل بين الغياب المنكسر والتطلع المُتَحِّير، حيث، وهناك، يتجلى الحضور التام.. اتصالاً ووصالاً.

يقال أيضاً، أن الإحساس بالعالم المادي ومؤثراته يغيب لدى طالب الحب لاستغراقه فيه استغراقاً لا يلتفت معه إلى شيء. وقد تميز كثير منهم بهذه الحالات من الغياب وعدم الشعور بالذات لاستشعار القرب من الذات المُحِبة. من ذلك بيت شعر، كان الحب أداته، والمحبوب قصده: مثالك في عيني وذِكْرُك في فمي ومثواك في قلبي فأين تغيب؟.

ومن ذلك أيضاً ما قاله مجنون ليلى، لها: .. إليك عني، إليك عني إن حبك شغلني عنك.

هل كان الغالب غياب البدن وحضور الحب الذي أطال المكوث في قلبه…!؟

في لحظة الغياب، يُقال أيضاً: أن المُحِب ينشغل عن العالم الحسي، لأنه لا يجد فيه ما يستحق أن يعبر عنه، فيلتزم الصمت والذهول والاستغراق، وقد يتكلم بألفاظ تحاول أن تسمو إلى مقام المشاهدة، فتتجاوز ما يتعارف عليه الناس من دلالات، وهو ما يصطلح عندهم بالشطح. ففي هذه اللحظة يصبح المُحِب منغمساً في حيرة العارف، لذلك يقول ابن الفارض: .. زدني بفرط الحب فيك تحيُّرا وارحم حشى بلظى هواك تسعّرا..

أما مناسبة هذا الكلام، فتتلخص في عبارة قالها الرومي، لا تكن بلا حب.. كي لا تشعر أنك ميت. مت في الحب وابق حياً للأبد. وأظن أن العبارة هذه.. تجنح، في ارتحالاتها، لأن تكون واقعاً في زمن قد يُحكم على الإنسان بفقدان الحب، وفقدانه لروحه..

لوحة لجبران خليل جبران

وليس فن التصوير بأحسن حال، وهو النقطة الأقرب إلى محرقة السؤال. فقد رسم “جبران” أعماله ليس بيده، وإنما بـ / ومن قلبه. وفعل الأمر نفسه “رفائيل” الرقيق. ودالي، هذا الذي فقد شهيته في الرسم، ثم مات.. بعد أن ماتت محبوبته “غالا”.

يقول أحدهم: أنا منك، وإليك.. فأين تغيب وإليك الرجوع!؟

تلك هي الرؤية العبقرية لِجَذْبَة الحب.

إعداد وتحرير: محي الدين ملك