عتبات عند أفق الجمال

القامشلي ـ نورث برس

في مكان ما من هذا العالم العائم، وذات مساءٍ معلومٍ، ولد فنان.. عُرف عنه جوعه إلى الحياة، ودهشته حين يخطف “الجمال” روحه منه، كان أشبه بصوفي يستسلم بغتة لأهوائه العرفانية.

جلس مرة أمام لوحته الفارغة، وقلبه يفيض فيضاً، وإذا بـ “ذات فتنةٍ وجمالٍ” تبدو للوهلة الأولى مزيجاً من العتمة والبريق تقف أمامه.

راح يستغرق في كلها، في الكاف واللام والهاء، وفي الألف الممدودة، وتخيِّل كأنَّ تاريخ الجمال قد مرّ أمامه بسرعة الضوء، ورأى أروع ما أبدعته اليد الحرة، والفكر الفارِهُ، والخيال الخاشع، والعاطفة المتوهجة.

استدار إلى لوحته، وأخذ يُلحِّم العظام بخطوط، ويُطعِّمُها بأخرى ليِّنة، ويكسوها لوناً فوق / وعلى / وفي لونٍ، حتى انقشع الشكل واندفع نحوه، ارتدَّ إلى الوراء وانحنى قليلاً ليُمْعِن النظر، ثم مالَ بوجهه نحو الأعلى، كأنما يتنفس للمرة الأولى.

– هل تعرفين ما هو الجمال؟

– ها..!؟

– إنه مجموعة من عدةٍ أجزاءٍ تعمل معاً بطريقةٍ معينةٍ بحيث لا تحتاج لشيء يُضاف إليها أو تُنقص منها، أو تُستبدل بها. حسناً, الجواب أعمى، وليس حاسماً. سأعيد السؤال: ما هو الجمال؟ الجمال هو أنت.

لوحة للفنان أماديو مودلياني

بعد عقودٍ من الزمان، وصف أحدهم موقف الفنان من الحياة في كلمةٍ واحدةٍ: إنه “تعانق” بين اثنين في واحد.

عن فنانٍ عاش حياة طبيعية بطريقة غير طبيعية، عن أرواحٍ ضلتْ سبيلها، وظلتْ تبحث في عراء الجمال. عن الجمال الرائع الذي لا نراه حقَّ الرؤية. فنلتمس منه أو منها قبساً نورانياً، لا ظلامياً، عسى – أولاً – أن يفيض على المكان المظلم منذ زمنٍ بعيدٍ وثانياً بُغية لمزيدٍ من أحكام الجمال وإحكامه. عن هذه، وعن أشياء أخرى نكتب.

عن أصحاب النظرية الفرويدية، ويالبؤسهم، لقد زعموا: أن “الفنان إنسان لا يصلح للحياة الاجتماعية، فيحاول أن يعبر عن عواطفه المُتَّسِمة بطابع الخطيئة عن طريق الصور”.

ولكن، وأنت تتأمل هذه الصور تشعر كأنها “تَعَانُقٌ” بين اثنين في واحد: النقطة والخط، الظل والنور، الرغبة والرهبة، الجمال والحب، هذه الصور خرجت من قلوب فنانيها، وبموجب هذا الخروج، ظلت جميلة، وحية، في كل لحظة.

إعداد وتحرير: محي الدين ملك