شركات وهمية للتسويق الهرمي في دمشق تحتال على سكان بغطاء حكومي
دمشق- نورث برس
رأى خالد قطاش (26 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالب في كلية الحقوق، نفسه في ورطة عندما لبى دعوة إحدى زميلاته التي أخبرته أنها تريد أن تعرض عليه مشروعاً دون أن تتحدث في التفاصيل.
وتفاجأ الطالب بعد مرافقة زميلته إلى المكان المحدد وشرح المشروع من قبل أحد الأشخاص أن العمل هو “التسويق الشبكي” في شركة.
والتسويق الشبكي أو ما يطلق عليه التسويق الهرمي طريقة مبتكرة في التسويق تعمل على “تجنيد” أكبر عدد من العملاء (الزبائن) لبيعهم منتجاً يكون في غالب الأوقات غير صالح للاستخدام بأضعاف مضاعفة من سعره، ثم يتم إيهامهم أنهم أصبحوا وكلاء للشركة ويطلب منهم تجنيد أشخاص آخرين مقابل نسبة ربح، كما يشرح “قطاش”.
ولدى الشاب العشريني تجارب سابقة في هذا الموضوع إذ كان قد عُرِض عليه هذا العمل في أوقات سابقة.
وقال إن الشخص الذي شرح له ولشاب آخر المشروع، هو مدرّب مشرف على تجنيد الشباب في هذا العمل، “حاول إيهامنا بالأرباح الكبيرة التي من الممكن أن نجنيها والتي قد تصل إلى 500 ألف ليرة سورية شهرياً.”
وبحسب النظام المعتمد في الشركة، يتوجب على أي شخص الانضمام للعمل أن يدفع 180 ألف ليرة مقابل أن يحصل على منتج أو أكثر قد تكون ملابس أو أي شيء آخر يتم اقتناؤه.
وبعد الانضمام، يتوجب على العميل الجديد أن يضم شخصين آخرين معه على الأقل والذين بدورهم سيدفعون المبلغ المذكور.
وعلى هذا النمط يتم ضم الأعضاء ثم يحصل كل منضم على 15 ألف ليرة كلما أضاف شخصاً آخر معه ويزداد المبلغ كلما زاد عدد العملاء الذين تم ضمهم.
التوقيع تحت الضغط
وقال “قطاش” إنه حاول التهرب عند الطلب منه توقيع العقد، لكنه تعرض “لضغوط كبيرة للتوقيع.”
إذ دعا المدرّب وبعد عدم تمكنه من إقناع الشاب، زميلة له وهي مدربة أكثر خبرة منه على ما يبدو وحاولت هي بدورها إقناعه بتوقيع العقد بشتى الوسائل، وفقاً لما ذكره “قطاش” لنورث برس.
وعندما رأى الطالب أن لا مفر من التوقيع، تحجّج بعدم حمله مبلغ 180 ألف ليرة معه، فتفاجأ بأنْ قامت صديقته بإخراج المبلغ من الحقيبة وعرضت إعطاءه المال ليعيده لها في وقت لاحق.
يقول “قطاش”: “لا يتركون لك فرصة للتهرب، فإن لم يكن لديك المال يعطونه للشخص الذي يعرفك على أساس أنه يقرضك، وطالما استدنت منه فأنت ملزم بإعادته، أي أنهم لا يتركون لك حجة لعدم التوقيع.”
وكانت عدة شركات تعمل في مجل التسويق الشبكي (التسويق الهرمي) قد عملت في سوريا واختفت بعد جمع أموال كبيرة من السكان مثل شركة “كيو نت” وشركة “ثري نت” وغيرها.
ولا يزال ملف شركة “كيو نت” في القضاء يرفد بشكل متواصل بأعداد جديدة من الشكاوى التي تجاوزت المئة، دون حسم حتى الآن منذ أكثر من عام.
وبحسب مصدر في ديوان القصر العدلي بدمشق، فإنه لا تزال عشرات الدعاوى قائمة في القضاء السوري على “كيو نت” التي دخلت الميدان السوري و”احتالت” على الآلاف من السكان، ثم اختفت دون يعرف من هم الأشخاص الذين كانوا يديرونها.
“رغم أن جميع وسائل الإعلام الحكومية الرسمية كانت قد روجت لتلك الشركة خلال عامي 2014 -2015″، بحسب المصدر نفسه.
“غسل أدمغة”
ومرّ عماد الخليل (27 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالب في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق، بموقف مشابه حين خرج مع عدد من زملائه الذين يشاركونه دورة محادثة في اللغة الإنكليزية إلى أحد المنتزهات في منطقة الربوة بدمشق ليتفاجأ أن زملائه “أعدوا له طبخة من العيار الثقيل”، على حد تعبيره.
وبدأ زملاؤه وشخصان آخران بعرض عمل للتسويق الهرمي عليه، والبضاعة عبارة عن ساعة يد ينبغي عليه شراؤها بأضعاف السعر الذي تساويه ليصبح وكيلاً للشركة.
وقال: “عندما يبيعونك منتجاً لا يساوي عشرة آلاف ليرة بأكثر من 150 ألفاً، حتى لو قمت بتأمين زبائن آخرين للشركة وبعتهم ذلك المنتج وأخذت جزءاً صغيراً من الأرباح؛ هذا لن يجعل الشركة تخسر شيئاً لأنها في الأساس أخذت 15 أضعاف سعر المنتج.”
وأشار إلى أن مندوبي الشركة، وهم مدربون “بشكل احترافي على وسائل الإقناع، يقومون بغسل أدمغة المشتركين عبر إيهامهم بأن أبواب الجنة ستفتح أمامهم إن قاموا بشراء المنتج وحصلوا على وكالة الشركة الوهمية.”
لكن هذه الأرباح، بحسب “الخليل”، وهمية وليست مستمرة، إذ تقوم الشركة بإلغاء وكالتك وهي عبارة عن حساب وهمي على موقعها “طالما نالت منك ما أرادته.”
“وهنا تكون قد ورطت نفسك وورطت الآخرين وصرفت أموالهم دون أن تستفيدوا شيئاً”، بحسب الشاب.
“تواطؤ حكومي“
ورغم أن طريقة عمل شركات التسويق الهرمي ممنوعة قانوناً إلا أن حكومة دمشق لا تتدخل في عمل تلك الشركات.
واتهم أحمد العلي (36 عاماً)، وهو اسم مستعار لمحامٍ في دمشق، الحكومة بالتواطؤ مع تلك الشركات “للاحتيال على الناس عبر تجاهل أعمالها غير القانونية والترويج لها عبر منابرها.”
وأضاف: “رغم أن هذه الشركات غير مرخصة أصولاً في سوريا، إلا أننا نرى إعلانات لها على وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية بشكل مباشر أو غير مباشر.”
ويخالف عمل هذه الشركات قانون حماية المستهلك من زوايا عدة كنسب الأرباح العالية التي تتقاضاها الشركة والمواصفات القياسية لمنتجاتها وجودتها.
ودعا المحامي الحكومة للكف عن التساهل مع هذه الشركات وإنهاء نشاطاتها في سوريا، “ويجب إعادة أموال أصحابها إليهم وفق قوانين وضوابط واضحة للشركات التي تريد العمل بشكل قانوني.”