الازدحام في عيادات القامشلي.. متاعب تبحث عن حل

القامشلي – نورث برس

بَقي عامر ديركي (43 عاماً) من سكان بلدة الدرباسية، لعدة ساعاتٍ وهو ينتظر دوره في عيادة طبية، الأمر الذي يتحدث عنه كثيرون بعد زيارتهم العيادات الطبية في مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا.

ولا تقتصر معاناة المرضى على أمراضهم فحسب، بل يتحملون مشاق الانتظار والازدحام وكذلك مخاطر نقل أمراضٍ معدية فيما بينهم داخل العيادات المكتظة.

ويرى أطباءٌ وجهاتٌ صحية مختصة في القامشلي، أن سبب ذلك يعود إلى قلة الوعي والثقافة الصحية بما فيها عدم تقدير الحالات الطارئة أو الالتزام بمواعيد من شأنها تفادي الانتظار وتخفيف الازدحام.

وقال “ديركي” الذي يعاني منذ فترة من ألم في ذراعه اليسرى وهو يقف منتظراً دوره في عيادة طبية، “منذ الصباح وأنا هنا والآن قد حل المساء وما زلت أنتظر دوري.”

وأضاف ويظهر من خلفه مرضى ومراجعون مثله ينتظرون دورهم: “ماذا عن هؤلاء الذين يأتون من مناطق بعيدة؟ بكل تأكيد ستتضاعف أمراضهم في هذه الحال.”

وبحسب مرضى، فإن هناك عيادات قد لا يرغب البعض بدخولها بسبب الازدحام الشديد ومخاوف من نقل الأمراض المعدية فيما بينهم وخصوصاً مع انتشار فيروس كورونا المستجد.

وقال مرضى قادمون من مناطق بعيدة، إن الانتظار الطويل في العيادات يشكل أعباء إضافية عليهم، حيث أن تأخرهم إلى المساء يجبرهم على استئجار سيارات خاصة للعودة إلى مناطقهم.

ويستبعد المرضى من ذوي القدرات الاقتصادية المحدودة فكرة التوجه إلى العلاج في المستشفيات الخاصة، نظراً لتضاعف تكاليف العلاج هناك ما يجبرهم للانتظار طويلاً في العيادات.

وتفتقر القامشلي  لمشافٍ عامة باستثناء المشفى الوطني والذي تديره حكومة دمشق وهو ما يشكل عائقاً أمام الكثير من الشباب لارتياده، خوفاً من سوقهم للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، بالإضافة إلى مشفى العين والقلب التخصصي.

لا التزام بالدور

وقال عنتر إبراهيم وهو طبيب أخصائي بالجراحة العصبية في القامشلي إن “الازدحام في العيادات الخاصة له مساوئ كثيرة وتشكل متاعب للمرضى والأطباء.”

وربط الطبيب ذلك بقلة الوعي الصحي ومرافقة أكثر من شخص للمريض وعدم استعداد المريض للانتظار ضمن المواعيد، “هناك أشخاص ليسوا مستعدين لانتظار دورهم ما يسبب مشاكل على الدور.”

وأحياناً، يصل عدد المرضى داخل عيادته في اليوم الواحد إلى أكثر من 100 مريض، إذ أشار إلى أن 70% من مرضاه من خارج مدينة القامشلي و30% من أرياف ومدن أخرى، لذا يحاول في فترة الصباح تسيير أمور المرضى من الخارج واستقبال الآخرين في المساء.

ويقوم بعض الأطباء في القامشلي بإدخال أكثر من مريض إلى غرفة المعاينة، وهو ما يلقى انتقادات كبيرة من المرضى والسكان.

ولم يخفِ الطبيب عدم تمكنه من التواجد في العيادة في أوقاتٍ مبكرة بالصباح لأنه جرَّاح ولديه عملياتٌ جراحية وكذلك التزامات مع مشافٍ عامة وخاصة، على حدّ قوله.

ورأى أن الحل يمكن في تطبق نظام الدور والمواعيد وتوزيع المرضى على أيام الأسبوع ولكن هذا الحل معقد بالنسبة للقادمين من الريف لأنهم لا يقبلون انتظار دورهم ليومين أو ثلاثة أيام.

“يساهم الازدحام أيضاً في كثرة السرقات داخل العيادات، وفي عيادتي حصلت أكثر من سرقة لذلك قمت بتركيب كاميرات مراقبة.”

ويضاف إلى الأمراض والأوبئة، مشاكل سوء النظافة وعدم توفر أنظمة التهوية الجيدة في بعض العيادات وتجمّع المرضى والمراجعين ضمن مسافة ضيقة جداً.

“تجربة ناجحة”

وقال عصام المحمود (37 عاماً) وهو من سكان مدينة القامشلي، إن هناك ضغطاً كبيراً على العيادات الطبية في القامشلي بسبب تركّز معظم الأطباء الاختصاصيين فيها.

وأضاف لنورث برس، بينما كان ينتظر دوره بمفرده دون مرافق في عيادة طبية: “أكثر من يشكل الازدحام في العيادات هو وجود أكثر من شخص يرافق المريض أو المراجع.”

وأشار إلى أن “أغلب المراجعين لا يلتزمون بارتداء الكمامة ما يزيد من فرصة تفشي فيروس كورونا بين المرضى” ، وكان يتحدث لنورث برس بينما لا يرتدي هو أيضاً أي قناعٍ واقٍ.

ويسبب ذلك في بعض الأحيان اضطرابات ومشاكل داخل العيادات الخاصة بسبب طول الانتظار وعدم التزام البعض بالدور ويمتد أثرها إلى الأطباء والمراجعين على حدٍّ سواء.

ويفضّل روان تمو وهو أخصائي في أمراض الغدد الصم والسكري والأمراض الباطنية في القامشلي، معالجة هذه المشكلة لدى الجهات المختصة “لأنها بحاجة إلى كثيرٍ من العمل.”

واستشهد بتجربة ناجحة سابقة في هذا الأمر وتحديداً أثناء فترة تطبيق الإغلاق الجزئي للحد من انتشار فيروس كورونا في آب/أغسطس من العام الماضي.

وسمحت الإدارة الذاتية في تلك الفترة بفتح العيادات الطبية والسنية ومختبرات التحاليل والأشعة، لأوقات محددة شريطة عدم استقبال أكثر من أربعة مرضى في آنٍ واحد داخل العيادة.

كما ألزم قرار الإدارة الذاتية، المرضى والمراجعين والأطباء بتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات داخل العيادات للحد من انتشار الفيروس.

وقال لنورث برس: “للأسف بعد انتهاء الحظر عاد الأمر كما السابق حيث ليس هناك وعي والتزام ونسبة الأشخاص الملتزمين بالتدابير الوقائية لا تتجاوز 10 بالمئة.”

“الالتزام ضعيف”

لكن نرجس حصاف وهي الرئيس المشارك لاتحاد الأطباء في القامشلي، قالت إن هناك تنبيهات دائمة للعمل ضمن المواعيد والالتزام بتطبيق التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات “ولكن الالتزام ضعيف.”

وحول احتمالية تطبيق ذات الإجراءات التي اتخذتها في آب/أغسطس الماضي، أشارت إلى أن ذلك يساهم في تخفيف الأزمة في العيادات وانتقالها إلى المشافي ما يسبب مشكلة أخرى.

وأضافت في مقابلة مع نورث برس، أن ذلك يتطلب وعياً أكثر من أي شيءٍ آخر، وعلى الجميع التعاون مع البعض في هذه المسألة حيث يلتزم الطبيب والمريض بالمواعيد المحددة.

ويتذكر “تمو” أنه طلب من أحد مرضاه قبل فترة الانتظار لبضعة أيام لإجراء معاينة له، حيث لم تكن حالاته عاجلة أو إسعافية، “لكنه لم يلتزم وتواجد في اليوم الثاني في العيادة وتسبب بمشكلة.”

وأثناء إجراء مقابلة صحفية لا تتعدى ثمانية دقائق مع أحد الأطباء، تعرض فريق نورث برس “لملاسنة كلامية” من قبل مرافقٍ لأحد المرضى كان يتحدث بلكنة حلبية، حيث أن الفريق تسبب في تأخيرهم، وفق قوله.

وقال “تمو” حول هذا الأمر: “بعض المرضى يعتبرون أن الضغط على الممرض والمريض والتسبب بمشكلة داخل العيادة مشاطرة وطريقة للدخول إلى غرفة المعاينة بسرعة.”

وربطت “حصاف” وهي اختصاصية في أمراض الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، نقص الخدمات في العيادات الطبية بأعمال وخدمات مؤسسات الإدارة الذاتية الأخرى.

“العيادات الكبيرة إيجارها أو سعرها مرتفع للغاية وهناك تحكم فظيع في هذا الشأن وكذلك ليس هناك كهرباء نظامية لذا نعتمد على المولدات ولا يمكننا تشغيل مكيفات الغاز.”

إعداد: هوكر العبدو – تحرير: سوزدار محمد