إدلب – نورث برس
بالقرب من إحدى المواقع الأثرية القديمة في ريف إدلب الشمالي، شمال غربي سوريا، نصب خالد الجمعة (41 عاماً) خيمة صغيرة بين صخور وبقايا جدران أثرية متهالكة لتأوي عائلته.
ويتخوف الأبٌ لخمسة أطفال لا يتجاوز عمر أكبرهم (13عاماً)، من وجود العقارب والأفاعي في هذا الموقع الذي يُعتبر البيئة المناسبة لها صيفاً.
أما شتاءً، فيتخوف من انهيار جدران المعبد الروماني القديم على خيمته، حين تشتدّ العواصف، “خاصةً أن الجدران القديمة متصدعة وآيلة الى السقوط.”
وعام 2019، نزحت عائلة “الجمعة” من بلدته بريف حلب الجنوبي نتيجة التصعيد العسكري وسيطرة قوات الحكومة السورية عليها لاحقاً.
واضطرت عشرات العائلات النازحة من أرياف حماة وإدلب وحلب، للسكن في المواقع الأثرية القديمة من معابد وكنائس وغيرها من الأبنية القديمة التي تعود إلى العهود الرومانية والبيزنطية.
وذلك بسبب الكثافة السكانية الكبيرة في مخيمات النازحين هناك، وارتفاع أجور المنازل في المدن الكبيرة مثل سرمدا والدانا وإدلب وحارم وغيرها من المناطق .
ويبلغ عدد المواقع الأثرية القديمة في إدلب أكثر من 760 موقعاً، بحسب مديرية آثار إدلب.
لا خيار آخر
وعلى الرغم من المخاطر الكثيرة إلا أن الرجل يقول إنه مجبرٌ على السكن في هذا المكان.
وحاول مؤخراً البحث عن مكان آخر يسكن فيه مع عائلته أو ينصب به خيمته، لكنه تفاجأ بطلب أصحاب الأراضي أسعاراً “مرتفعة” ثمناً لـ 50 متراً مربعاً من الأرض.
إذ يصل سعر المتر المربع الواحد إلى أكثر من خمسة دولارات أميركية (ما يعادل 15.500 ليرة سورية.
يقول “الجمعة”، الآن، إنه لا يملك من المبلغ شيئاً.
وتسكن 12 عائلة أخرى في الموقع الأثري نفسه، وجميعها نازحة من أرياف حماة وحلب.
واستطاعت مريم النجم (38 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازحة من منطقة جبل الزاوية، إنقاذ طفلها البالغ من العمر ثمانية أعوام في اللحظات الأخيرة، بعد تعرضه للدغة عقرب عندما كان نائماً في الخيمة التي قامت ببنائها داخل سور قلعة “بابسقا” الأثرية قبل نحو عام.
وتقيم في قلعة “بابسقا” عشرات العائلات النازحة التي أجبرتها الحرب على النزوح من قراها ومدنها نحو المناطق الحدودية شمال إدلب.
وحاولت “النجم” البحث عن خيمة تسكنها في المخيمات المنتشرة على الحدود السورية- التركية، لكنها لم تتمكن من ذلك.
واضطرت للجوء إلى القلعة برفقة عائلات من أقربائها، حيث قامت ببناء خيام صغيرة من أغطية قماشية وعوازل من النايلون.”
وتقول “النجم” إن أطفالها لم يذهبوا إلى المدرسة منذ نزوحها من ريف إدلب الجنوبي منتصف العام 2019.
كما لا يمكنها استئجار منزل في إحدى المدن أو القرى بسبب الارتفاع الكبير في أجور المنازل، “لا تقل عن 50 دولاراً شهرياً وأنا امرأة أرملة وأطفالي صغار.”
أفضل من المخيمات
ويرى سومر العبيد (50 عاماً)، وهو من نازحي ريف حماة الشمالي، أن البقاء في المواقع الأثرية على الرغم من خطورته أفضل من السكن في خيمة صغيرة داخل مخيمات كبيرة مكتظة بالسكان.
وباع “العبيد” مؤخراً خيمته في مخيم بمنطقة أطمة “لم تكن تكفي عائلته المؤلفة من 15 شخصاً.”
وانتقل لإحدى الأبنية الأثرية في قلعة رأس الحصن القريبة من الحدود السورية التركية شمال إدلب.
ويعتقد أن السكن في هذا الموقع الأثري مناسب له، بعد أن قام بتنظيفه وإصلاح بعض الجدران فيه، “ولا يمكن للرياح أن تقتلع الخيام داخل السور، كما كان يحدث في مخيمات أطمة كل شتاء.”
تقول زوجة “العبيد” أيضاً “إنها تفضل السكن هنا حيث تجمع الحطب وتعد طعامها على موقد بدائي في ظل ارتفاع أسعار الغاز المنزلي.