دمشق- نورث برس
في مشهد غير مألوف في بعض الأحياء الدمشقية، يضطر سامر العامري، وهو اسم مستعار لرجل خمسيني، أن يشتري لحمته من “بسطات لحمة” بالقرب من محال اللحمة الرئيسة.
يقول لنورث برس: “من تلك البسطات يمكن للفقير أن يأكل شبه لحمة، كونها تكون عبارة عن بقايا لحمة متواجدة على العظام.”
ويعيش الرجل الخمسيني مع أحفاده الخمسة بعد وفاة ابنه في الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات.
وتشهد مناطق سيطرة حكومة دمشق أوضاعاً معيشية صعبة لغالبية سكانها، نتيجة تدني قدرتهم الشرائية ووقوع أكثر من 83% منهم تحت خط الفقر، بحسب تقديرات أممية.
ومطلع العام الحالي، ذكرت وزارة الزراعة الحكومية، في تقرير لها، أن إنتاج الثروة الحيوانية انخفض بنسبة تتراوح بين 50–60 بالمئة في ظل ارتفاع فاحش لأسعار اللحوم ومنتجات الحليب.
وقال مصدر من “جمعية اللحامين”, التابعة لوزارة التجارة الداخلية في دمشق, لنورث برس, إنّ “أكثر من 50% من السوريين باتوا غير قادرين على شراء اللحوم.”
وعزا المصدر ارتفاع أسعار اللحوم في السوق المحلي إلى تهريب كثير من رؤوس العواس (الغنم الشامي), إلى لبنان والعراق، وعدم استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي.
وظهرت تلك البسطات نتيجة لتردي الأوضاع المعيشية في البلاد بعد العام 2011، وازداد انتشارها جراء فقدان السوريين لقدرتهم الشرائية في ظل ارتفاع المستوى العام للأسعار.
ومنتصف حزيران/يونيو الجاري، ضبطت مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ريف دمشق, “أكثر من 11 طناً من اللحوم المغشوشة وغير الصالحة للاستهلاك البشري”، بحسب صحيفة تشرين الحكومية.
لا شروط صحية
وفي حي باب سريجة الدمشقي، تتواجد تلك البسطات على امتداد السوق الرئيس، ويلجأ أغلب معدومي الدخل لشراء حاجتهم منها بأثمان أقل من الأسواق.
ويجمع تلك البسطات قاسم مشترك يكمن في افتقارها للشروط الصحية، إذ تكون بدون غطاء وبدون برادات لحفظها، إضافة لانتشار الذباب عليها بكثافة, وفقاً لسكان.
ويقول مختص تغذية في مخبر لفحص الأغذية بدمشق, لنورث برس, “إنَّ تلك الظاهرة تشكل دلالة غير صحَّية وتفتقر لوجود رقابة عليها من قبل مسؤولي الرقابة.”
ويضيف،أنَّ الأثار الصحية الناجمة عن تلك البسطات قد تكون خطيرة (كحدوث حالات تسمم) في حال بقيت معروضة للبيع لفترة طويلة دون وجودها في برادات لحفظها، خصوصاً في فصل الصيف.
بينما يعلل أصحاب تلك البسطات سبب افتقارها للشروط الصحية بأن بضاعتهم هذه تنتشر في أوقات بعد الظهيرة فقط، ولا تستمر طويلاً نتيجة إقبال الناس عليها.
كما أن هناك أنواعاً من اللحمة تُباع مفرومة دون القدرة على معرفة مكوناتها، وتُباع وفق الطلب وسط ارتفاع أسعار اللحوم في دمشق, بحسب سكان.
ويقول خالد المهايني، وهو صاحب محل لبيع اللحوم في دمشق, لنورث برس “سابقاً كانت الناس لا يشترون اللحمة إلا من محال معينة، وتقف على رأس اللحام وهو يفرمها كي تضمن عدم حدوث الغش.”
ويضيف، “اليوم، لا يسأل الناس كثيراً عن المصدر، وما يهمهم هو إطعام أولادهم.”
ويشير إلى أن “اللحمة المفرومة عبارة عن شبه لحمة وبقايا جلد وعروق ودهون وبقايا ذبح غير صالحة للاستهلاك، لذلك يتم بيعها بهذه الطريقة.”
أسعار منخفضة
وفي وقت يبلغ سعر كيلو اللحمة 35 ألف ليرة سورية، تُباع لحمة تلك البسطات بما يتراوح بين عشرة ألاف و15 ألف ليرة سوية, بحسب باعة.
وهذا ما يدفع تيسير مصطفى (55 عاماً) للشراء منها، بغض النظر عن مدى كونها نظيفة أو آمنة.
يقول: “في النهاية سوف تطبخ مع الطعام، وما يهم أنها ليست لحمة فاسدة.”
ويضيف “مصطفى”، أنه يشتري منذ سنوات من تلك البسطات لإطعام أولاده الستة، في ظل عدم قدرته على شراء أنواع أخرى من اللحوم.
ويقول صاحب إحدى بسطات اللحمة في دمشق, لنورث برس: “نشتري تلك اللحمة من اللحامين هنا، ونبيعها للناس.”
ويضيف: “في أحيان كثيرة تقوم المحال بإعطائنا اللحمة بأسعار رخيصة ونحن نبيعها بربح معقول وبنور الله”, على حد قوله.
وكل ذلك، يحدث دون وجود أدنى رقابة من مديرية حماية المستهلك الغائبة عن المشهد، وفقاً لمختص التغذية في مخبر فحص اللحوم في دمشق.
ويشير المختص إلى أن الرقابة غير موجودة حتى في محال بيع اللحوم، سواء لناحية توفر الشروط الصحيَّة أو لناحية الالتزام بأسعار الحكومة.
المشهد نفسه يظهر في غالبية مناطق سيطرة حكومة دمشق, في ظل الحرب التي تعصف بالبلاد منذ عشر سنوات التي دمرت الاقتصاد وزادت معدلات التضخم.
ومنتصف شباط 2020, أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة, أنّ 12.4 مليون شخص في سوريا, يكافحون للعثور على ما يكفيهم من الطعام، في زيادة كبيرة وصفتها بأنها “مقلقة”.
وقال البرنامج إن الرقم يعني أن “60 بالمئة من السكان السوريين يعانون الآن انعدام الأمن الغذائي”، بناءً على نتائج تقييم وطني في أواخر عام 2020.