سوء التغذية وأسباب أخرى لانتشار مرض القزامة بين أطفال في إدلب

إدلب – نورث برس

يبدو الطفل جميل السيد ذو السبعة أعوام، والذي يعيش مع عائلته في مخيم بقرية الشيخ بحر في إدلب، أصغر سناً من جميع أقرانه في المدرسة، بسبب إصابته بمرض “التقزم”.

ولعدم حصوله على الغذاء الكافي لنمو الجسم في طفولته، يعاني الطفل من القصر والهزل، وفقاً لتشخيص الطبيب.

ومنذ صغر سنه يقتصر الغذاء الرئيسي “للسيد” على الشاي والنشاء المطبوخ، بحسب والدته فوزية القربي النازحة من ريف مدينة سراقب إلى مخيم في قرية الشيخ بحر.

وعزت “القربي” نوع الغذاء، إلى عدم تمكنها من شراء الحليب لارتفاع ثمنه وسوء حالتهم المعيشية، خاصة وأن زوجها عاطل عن العمل، بسبب إصابته في الحرب الدائرة في المنطقة وفقدانه لأحد أطرافه العليا.

ولم تخفي” القربي” حزنها وقلقها على حال طفلها الذي بات يتعرض للمضايقة والسخرية من زملائه بسبب صغر حجمه، الأمر الذي جعله منطوياً ومنعزلاً عن الآخرين.

عجز

وينتشر مرض “القزامة” بين الأطفال في إدلب وخاصة في مخيمات النزوح بسبب سوء التغذية الناجم عن عجز غالبية الأسر عن تأمين الغذاء المتكامل لأطفالها لغلاء أسعاره إلى جانب شح مادة حليب الأطفال وارتفاع ثمنها.

والعام الماضي، وثقت منظمة الأمم المتحدة، إصابة 34% من أطفال شمال غربي سوريا بحالات التقزم، بسبب سوء التغذية. وأشارت إلى أن أكثر من 80% من سكان المنطقة لا يتقاضون أجوراً تغطي احتياجاتهم.

وقال حامد المعراوي (44 عاماً) وهو طبيب أخصائي في أمراض الأطفال من مدينة إدلب لنورث برس، إن أهم أسباب مرض التقزم هو حدوث مشاكل في مراكز النمو في العظام حيث تؤثر على نموها وإمكانية زيادة طولها، إلى جانب عدم كفاية المدخلات الغذائية.

وأضاف: “ومن الأسباب أيضاً، الممارسات الغذائية الضارة للرضع والأطفال الصغار، وتراجع نسب الرضاعة الطبيعية.”

كما أن هناك أسباب تعود لوجود مشكلات (هرمونية) في الغدد الصماء، فضلاً عن سوء التغذية في الطفولة المبكرة، وفقاً للطبيب.

وأشار “المعراوي” إلى نسبة الإصابة بالتقزم: “من بين عشرة أطفال يزورون عيادته، هناك طفل واحد يعاني من هذا المرض.”

علاج

ولا يتلقى معظم الأطفال المصابين بالتقزم العلاج اللازم بسبب غلاء تكاليف العلاج من التحاليل والأدوية، بحسب ذوي مرضى.

ولم تستفد ابنة طلال البركات، ذات الأربع سنوات والتي تعاني من المرض من العلاج الذي وصفه لها مركز أمراض سوء التغذية الذي قصده والدها مؤخراً، في مدينة إدلب.

وقال “البركات” (39 عاماً) وهو أحد سكان قرية عين شيب بريف إدلب، “راجعنا مركز أمراض سوء التغذية الموجود في المدينة فتم منح ابنتي بعض المقويات والفيتامينات، لكنها لم تستفد منها أي شيء.”

وفي النهاية، اضطر الأب لمراجعة عيادة طبيبٍ مختص، حيث طلب منه إجراء صور شعاعية، إضافة إلى الرنين المغناطيسي لتحديد حالة الغدة النخامية ومن ثم تحاليل هرمونية.

وتصل كلفة ما طلبه الطبيب إلى ما يقارب أكثر من 50 دولاراً أميركياً، ناهيك عن أسعار الأدوية، وما يحتاجه من نظام صحي متكامل.

ووجد الأب نفسه “عاجزاً” عن تأمين هذا المبلغ لعلاج ابنته المريضة. وقال “ليس باليد حيلة، فهذه المصاريف تفوق قدراتي وإمكانياتي بكثير.”

لا رعاية

قال الطبيب “المعراوي” إن “الإهمال وعدم التغذية الكاملة للأم خلال فترة الحمل يؤدي إلى مشكلات صحية لدى الجنين، قد تؤثر في الهيكل العظمي ونموّه وحجمه، وقد تصل في بعض الأحيان إلى تشوهات خطيرة.”

وأضاف: “لمرض القزامة العديد من المضاعفات الطبية منها الإصابة بانحناء العمود الفقري أو هشاشة العظام.”

ويساهم التشخيص المبكّر للمرض في تقليل بعض المشكلات المرتبطة بالقزامة، كما يمكن علاج الأشخاص الذين يعانون من التقزم بإعطائهم هرمون النمو، بحسب الطبيب.

ولا تجد أمهات كثيرات في مخيمات النزوح بإدلب، الرعاية العلاجية والمكملات الغذائية الضرورية أثناء فترة الحمل، بسبب بعد مراكز الرعاية الأولية عن المخيمات وارتفاع أجرة معاينة الأطباء إلى جانب غلاء أسعار الأدوية.

وتزامنت فترة حمل مروة الحسيني (31 عاماً) وهي نازحة من خان شيخون إلى مخيم بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، مع نزوحهم من مدينتهم وما رافقها من حالة القلق والخوف.

وتسببت تلك الحالة بإنجاب طفلة مصابة بمرض القزامة، بحسب “الحسيني”.

كما أن عدم تلقيها الرعاية التي تحتاجها كل أم طيلة فترة الحمل شأنها شأن معظم النساء في مخيمات النزوح في إدلب، كان سبباً آخر في مرض ابنتها التي تبلغ من العمر سنة واحدة “ولكنها ذات بنية صغيرة ونمو بطيء.”

إعداد: حلا الشيخ أحمد – تحرير: فنصة تمو