منبج- نورث برس
يتأسف خالد الأحمد (30 عاماً)، وهو أحد المشاركين في الاحتجاجات الأخيرة في منبج وريفها، شمالي سوريا، على ما آلت إليه الأحداث من سقوط ضحايا وأعمال يصفها بتخريبية تصب في مصلحة جهات من خارج المدينة وريفها.
واعتزل “الأحمد” الاحتجاجات منذ “خروجها عن سياق المطالب المشروعة، ومطالبتها بدخول قوات الحكومة السورية إلى المدينة، إذ أدى ذلك لسقوط أربع ضحايا عند حاجز الخطاف في المدخل الشرقي لمدينة منبج.”
وفي الحادي والثلاثين من أيار/ مايو الفائت، بدأت احتجاجات في مدينة منبج والطريق العام لقرية الهدهد، 7 كم شمال شرق منبج المدينة، ليقوم خلالها مجهولون بإطلاق النار ما أدى لمقتل شاب وثلاثة جرحى، بحسب إعلام المجلس العسكري في المدينة.
وقال ناشطون في المدينة ومشاركون في الاحتجاجات إنها ضد “قانون واجب الدفاع الذاتي” الذي تفرضه الإدارة الذاتية على من تظهر ثبوتياتهم أنهم من مواليد العام 1990 وما بعده.
“من السلمية إلى الشغب“
ويعتقد خالد أن الخدمة العسكرية “لم تعد مناسبة له”، لأنه رب عائلة وأب لثلاثة أطفال، الأمر الذي دفعه للمشاركة في الاحتجاجات قبل أن يقرر أنها “خرجت من إطار المطالب المشروعة ودخلت في خدمة أجندات خارجية بعد تحولها لأعمال شغب.”
وبعد أسبوعين من بدء الاحتجاجات، يقول لنورث برس: “كانت في البداية سلمية ولم تتضمن أي شيء يدعو للقلق، لكن سرعان ما ارتفعت أصوات أشخاص لم أتعرف عليهم مطالبة بخروج قوات سوريا الديمقراطية وعودة النظام السوري إلى المنطقة.”
ويضيف: “ويوم الثلاثاء (اليوم الثاني للاحتجاجات) توجه محتجون إلى مدينة منبج عبر البوابة الشرقية، وعند حاجز الخطاف التابع لقوى الأمن الداخلي بدأت أعمال التخريب.”
وفي العام 2019، صادق المجلس العام للإدارة الذاتية على قانون وحّد خدمة الدفاع الذاتي في جميع مناطقها وحددها بـ12 شهراً.
وقال المجلس العسكري في منبج وريفها، في بيان له عقب الاحتجاجات، إن العمل “بواجب الدفاع الذاتي يتم منذ سبع سنوات دون مشاكل تذكر.”
واتهم المجلس جهات قال انها معروفة “باستغلال الاحتجاجات لخدمة أجندات خارجية ومحاولة دفع المنطقة الى الفوضى وبث الفتنة مستغلة مطالب الناس المحقة.”
“إطلاق نار“
وقال محمد الحمادي، وهو اسم مستعار لمشارك في الاحتجاجات وافق على تسجيل صوتي له دون كشف اسمه الحقيقي: “عند اقترابنا من حاجز الخطاف استقبلنا الشيخ إبراهيم البناوي نائب مجلس منبج العسكري وأخبرنا أن الحاجز لن يعارضنا وسيسمح للمحتجين بالدخول للمدينة بشرط عدم القيام بأعمال تخريبية.”
وأضاف، لنورث برس: “كان عدد المحتجين حوالي الألف وقدم لنا عناصر الأسايش على الحاجز مياه الشرب.”
لكن صوتاً نادى “اضربوهم” ونعت عناصر الحاجز بالحيوانات، بدأ إثرها استهداف الحاجز بالحجارة وسماع صوت إطلاق نار، بحسب رواية “الحمادي” الذي قال إنه لم يستطع التعرف على مطلق النار بسبب الجلبة بين المحتجين في تلك اللحظات.
وانتشرت عدة مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر انسحاب عناصر الحاجز من أمام المحتجين وتجنبهم المواجهة.
وقال أيضاً: “خلال لحظات بدأت أعمال التخريب وتحطيم سيارة عسكرية وكاميرات المراقبة على الحاجز.
ويستغرب الرجل، الآن، من شعار المطالبة بدخول “النظام السوري” للخلاص من خدمة “الدفاع الذاتي”، ويقول: “ذلك سيخدم العسكرة أكثر فحتى الذي تجاوز عمره الأربعين سيجبر على الخدمة الإلزامية.”
ويوم الحادي والثلاثين من أيار/ مايو الفائت، فرضت الإدارة المدنية في منبج حظر تجوال لمدة 48 ساعة، تم تمديدها حتى إيقاف العمل به في الرابع من حزيران/ يونيو الحالي، وذلك على خلفية الاحتجاجات ومقتل شخص وإصابة ثلاثة بجروح، داعية السكان لضبط النفس وإيقاف عمليات التخريب.
وخلال الأيام التالية للاحتجاجات، أصدر شيوخ ووجهاء عشائر في كافة مناطق شمال وشرقي سوريا بيانات منددة للأعمال التخريبية في منبج ودعوات للتهدئة.
“إحياء الموتى“
ويؤكد حجي الحسن، وهو ناشط في مدينة منبج وممن شارك في الاحتجاجات، صحة رواية “الحمادي”: “فور وصولنا إلى حاجز الخطاف قام أشخاص باستهداف القوات الأمنية بالحجارة، وبدأ إطلاق نار بين المحتجين.”
وأضاف أن عناصر الأسايش أطلقوا النار في الهواء “بعد حرق المحتجين لسيارة لقوى الأمن الداخلي وعمليات تخريب وتكسير على الحاجز طالت مكتب التفييش وكاميرات المراقبة.”
وبخلاف “الحمادي”، قال “الحسن” إنه يعرف بعض من قاموا بتأجيج الوضع، “بعضهم موالون للحكومة السورية، لن أذكر أسماءهم، لكنهم كانوا يعولون على زيادة الاحتقان ضد الإدارة الذاتية، خاصة لدى من فقدوا أبناءهم.”
وأضاف: “كانت الذريعة عدم استماع الإدارة لمطالب السكان.”
وانتشرت تسجيلات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يدعو فيها أشخاص “لحرب مفتوحة ضد قوات سوريا الديمقراطية.”
وفي الثاني من حزيران/ يونيو الحالي، نص بيان مشترك لمجلس منبج العسكري والإدارة المدنية وشيوخ ووجهاء عشائر في منبج على إحالة ملف الدفاع الذاتي في منبج إلى النقاش والدراسة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين المشاركين في الاحتجاجات، وتشكيل لجنة تحقيق في إطلاق النار الذي حصل ومحاسبة المسؤولين عنه.
يقول “الحسن” إن هذه التفاهمات لم ترق للعاملين على التحريض وإشعال الفتنة، “لدرجة أن بعضهم طالب بإحياء الموتى للقبول بتهدئة.”
“تمنوا مزيداً من الدماء“
تغير الموقف من الاحتجاجات بسبب انحرافها عن دعواتها الأولى لم يقتصر على “الأحمد” و”الحمادي” والحسن”، إذ أكد شهود عيان، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن أشخاصاً عملوا منذ بدايتها على شحن الشارع وتأجيجه تجاه مزيد من الفوضى.
وتشهد منبج، التي تعتبر عقدة مواصلات ومركزاً تجارياً مع مناطق سيطرة كل من قوات الحكومة السورية وفصائل المعارضة الموالية لتركيا، حالياً، هدوءاً بعد دعوات للتهدئة صدرت من داخل المدينة وخارجها.
وقالت عذاب العبود، وهي رئيسة مجلس حزب سوريا المستقبل في منبج، في تصريح سابق لنورث برس، إن الأمور “انقلبت راساً على عقب بعد محاولة بعض الأشخاص التابعين لأطراف معروفة، استغلال مطالبات السكان وتحويل مسارها من المعيشية إلى تحقيق أجندات سياسية على حساب دماء أبناء المدينة.”
وأضافت أن تلك الجهات “كانت تتمنى المزيد من القتل وإغراق المدينة بالدماء.”