ارتفاع معدلات القبول الجامعي في دمشق تختصر رحلة التدريس بالبكالوريا فقط
دمشق ـ نورث برس
لم يضيّع محمد العبدالله (50 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان دمشق، الكثير من الوقت لتهيئة ولده لخوض امتحان البكالوريا.
وقام “العبدالله” بنقل ابنه من دمشق إلى إحدى مدارس حماة، لأنه يعرف مدير المدرسة.
وافق المدير على تغيب الطالب عن الدوام نهائياً، مقابل ملازمة “عبد” لبيته في دمشق الذي تحول إلى مدرسة خصوصية، حيث يأتي المدرسون إلى المنزل ولكل المواد وكأنه في مدرسة.
ولـ”العبدالله” محل ألبسة مستعملة، وهو لا يهتم للمبالغ التي يصرفها على ابنه، “لا أحصي المبالغ. مقابل أن يدخل ابني الطب كل شيء يهون.”
واختصر التعليم في سوريا بشهادة البكالوريا، وأصبح هنالك شبه إجماع أن من يريد الحصول على مقعد في الجامعات الحكومية عليه أن يبدأ الدراسة للبكالوريا من الفصل الثاني للحادي عشر.
وأما من يريد دخول “التحضيرية” للحصول على فرع في (الطب البشري، الأسنان، الصيدلية)، فعليه أن يبدأ من العاشر في التحضير للبكالوريا، وكأن منهاج العاشر والحادي عشر ليسا موجودين.
ووصف معظم ذوي الطلاب، الخروج من البكالوريا، كـ”من يتحضر لمعركة حقيقية تحتاج إلى استنفار مادي ومعنوي، وهذا لا يقتصر على اختصاصات التحضيرية بل حتى للهندسات والآداب.”
تقول اكتمال حسن (45 عاماً) وهي من محافظة حماة، إنهم يطمحون لدخول ابنتهم إلى كلية الطب، وهي تخوض الامتحانات في هذا العام.
وتضيف: “الأمر كلفهم أعباء مادية فوق طاقتهم بكثير، خاصة أنها وزوجها موظفان برواتب محدودة في القطاع العام.”
ولكن يغامر ذوو الطلاب بتكاليف الدروس الخصوصية، ويقطعون عن أنفسهم كل شيء مقابل تأمين تكاليف الدروس الخصوصية ودخول الأبناء الجامعات الحكومية، التي تتحول يوماً بعد يوم إلى حلم.
معدلات القبول
تقول مها إسماعيل (55 عاماً) وهي مدرسة لغة عربية في مدرسة بريف دمشق لنورث برس، إن “المشكلة في الارتفاع الكبير لمعدلات القبول في الجامعات الحكومية وخاصة للتخصصات المرغوبة كالطب والصيدلة والهندسات.”
وتشير إلى أن معظم ذوي الطلاب، يجدون أنه “مهما تكلفوا في مصاريف الدروس الخصوصية في البكالوريا، سيكون أرحم لهم من التوجه إلى الجامعات الخاصة.
وتضيف: “أصلاً الجامعات الخاصة لم تعد متاحة إلا لنسبة محدودة من السوريين، حيث تفوق كلفة السنة لطالب الطب في جامعة خاصة كالأندلس مثلاً 5 ملايين ليرة للعام الماضي وليس هذا العام.”
ولم يحصل ابن أمل ميهوب (38 عاماً) وهي مدرسة لمادة الكيمياء في طرطوس، على العلامات التي تؤهله لدراسة الاختصاص الذي يريده “الصيدلة”.
ولكي لا يحرمونه من تحقيق رغبته، توجهوا إلى إحدى الجامعات الخاصة، ولكن كانت النتيجة أن “الأهل باعوا كل مدخراتهم لكي يتمكن ابنهم من إتمام دراسته مع قسط يرتفع كل عام بطريقة تكاد تكون مضاعفة.”
ويطمح يعرب، الابن الوحيد، لحنان أحمد (40 عاماً) وهي موظفة في القطاع العام بدمشق، لدخول كلية الطب منذ كان في المرحلة الابتدائية.
وتطلب تحقيق هذا الطموح أن “يعسكر” بكل معنى الكلمة مع كتب البكالوريا، لمدة تقارب العامين، بحسب “أحمد”.
وبدأ “يعرب” من الفصل الثاني للحادي عشر بالتحضير إلى موعد امتحانات البكالوريا للعام الماضي، حتى حصل على مجموع الطب الذي وصل إلى 236 علامة.
وتقول والدته، إن “تكاليف تلك السنة للدروس الخصوصي فاقت الـ300 ألف ليرة في طرطوس حيث الأسعار أقل، وهذا الرقم أصبح حالياً تكاليف مادة واحدة، خاصة في دمشق.”
ويصل سعر الدرس الخصوصي للمدرسين الذين ذاع صيتهم في دمشق، إلى 10 آلاف ليرة، “ولما كان لكل مادة مدرس خصوصي، فعليك أن تتخيل حجم المبالغ التي يجب على الأهل دفعها لأبنائهم.”
ويبدي الكثير من ذوي الطلاب استياءهم من طريقة تعامل الحكومة مع التعليم في سوريا، إذ أن المناهج تعدلت كثيراً، وتم تعديل اللباس أكثر من مرة وهذا يتطلب نفقات مالية.
وأصبحت الهوة كبيرة بين ذوي الطلاب ومناهج أبناءهم، بحيث يصبح المدرس الخصوصي “حاجة ملحة منذ المرحلة الابتدائية للطالب.”
مشكلة في التهيئة
يرى سام حسون (60 عاماً) وهو موجه تربوي متقاعد، أن مشكلة التدريس في سوريا ليست في المناهج، التي وصفها بـ”المتطورة”.
ولكن القصة، بحسب “حسون”، في البنية التحتية غير المناسبة لتدريسها، ففي السابق كان المطلوب يقتصر على الكتاب، أما الآن فيحتاج الطالب للبحث بنفسه وهذا يزيد من اعتماده على الأستاذ من أجل الشرح، وبالتالي زيادة الاعتماد على المدرس.
وتحتاج المناهج للكثير من الخدمات النوعية، وأقلها عدد الطلاب في القاعة الصفية، فمع هذا النوع من المناهج التفاعلية يجب أن لا يزيد عدد الطلاب عن 20 طالباً كحد أعظمي في القاعة الصفية.
ويشير الموجه التربوي المتقاعد، إلى أن الهدف من تقليل عدد الطلاب “ليكون هنالك حالة تفاعلية بين المدرس وطلابه.”
والواقع أن العدد لا يقل عن 40 طالباً في كل صف بالمدارس، وقد يصل إلى 60 طالباً كما في مدارس الميدان بدمشق، وخاصة بعد خروج عدد كبير من المدارس من الخدمة بسبب الحرب.
وهنالك نقطة لا تقل أهمية، كما يقول “حسون”، وهي “تهيئة المدرسين لتغيير أسلوبهم من طريقة التلقين إلى النمط التفاعلي، وإعداد المدرسين للتعامل مع هذا المنهاج يحتاج إلى دخل يؤمن الاستقرار للمدرس.”
ولكن المدرس يتقاضى أجراً لا يكفيه للعيش كما كل السوريين، وهذا أيضاً يحتاج لحل جذري مترافق مع تجهيزات البنية التحتية لتدريس هذه المناهج، بحسب “حسون”.
واختصر بعض ذوي الطلاب، ما بقي من دور المدارس العامة بعدة نقاط وهي: “متابعة موضوع الدوام واللباس، وترديد الشعار الصباحي.”