السويداء – نورث برس
مع بداية كل شهر، ينتظر إسماعيل عارف (57عاماً) وهو اسم مستعار لموظف حكومي في مدينة السويداء، جنوبي سوريا، حوالته المالية، إذ أن راتبه الحكومي البالغ ستون ألف ليرة لا يكفي مصاريف عائلته المكونة من أربعة أفراد، بينهم طالب وطالبة وآخر من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويعتمد الموظف الحكومي وآخرون في السويداء على الحوالات المالية التي يرسلها أبنائهم وأقربائهم في الخارج، في ظل تدهور قيمة الليرة السورية وتدني الرواتب الحكومية وارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية والاستهلاكية.
وقال “عارف” إن ابنه المغترب في دولة خليجية يرسل له شهرياً 200 دولار، حيث تحتاج أسرته شهرياً وفق قوله إلى 600 ألف ليرة سورية كحد أدنى لتغطية مصاريف الأكل والشراب واللباس والمواصلات والأدوية.
وبحسب إحصائية انتقائية لمركز التخطيط والإحصاء السكاني الذي يتبع إلى مجلس محافظة السويداء الحكومي، تم إجراؤها على مئة عائلة في عموم السويداء هذا العام، تبين أن من بين كل عشرة عائلات، هناك ستة منها لديهم شخص أو أكثر مغترب أو مهاجر خارج البلاد.
“فائدة للحكومة”
وقال مصطفى قدور(57عاماً) وهو اسم مستعار لمسؤول حكومي في السويداء، إن كمية الحوالات المالية التي تصل إلى السويداء شهرياً من المغتربين في الخارج قدرت وحسب أصحاب مراكز الحوالات المرخصة والتي يطّلع عليها فرع البنك المركزي الحكومي بالسويداء، وعبر كشوف ترسل له من قبل مراكز الحوالات الخارجية، تفوق المليون دولار.
وهناك حوالات توازيها في الحجم، يتم إرسالها عبر منافذ داخلية غير مرخصة يديرها أفراد لهم ارتباطات في الخارج يتم تصريفها حسب سعر صرف السوق السوداء، بحسب “قدرو”.
وأشار المسؤول الحكومي أن تلك الحوالات المالية تدعم البنك المركزي الحكومي وتزيد من غلة سلة عملاته الأجنبية “ما يشكل حالة إيجابية في الاقتصاد المالي للحكومة.”
وقدرت الحوالات المالية التي وصلت إلى السويداء من مغتربي الخارج لأسرهم قبل عيد الفطر هذا العام وخلال يوم واحد فقط، بمئتين وخمسين ألف دولار أميركي، وفقاً لما ذكره المسؤول الحكومي لنورث برس.
ومنذ ثلاث سنوات، تستلم إنصاف حازمة (50عاماً) وهي من سكان مدينة شهبا بريف السويداء، شهرياً من ابنها المغترب في دولة إفريقية حوالة مالية قدرها مئة وخمسون دولار.
وقالت السيدة الستينية إنها تعتمد كلياً على الحوالة المالية لإعالة أسرتها، حيث “لم تعد الزراعة تنتج ما يكفي لتأمين معيشتنا في ظل شح الأمطار وارتفاع تكاليف الزراعة.”
وأشارت إلى أن الحكومة تستفيد من الحوالات الخارجية، إذ أن المئة والخمسين دولار التي يرسلها لها ابنها تعادل ما يقارب بالليرة السورية وحسب سعر الصرف لدى مركز الحوالات الحكومية المرخصة 375 ألف ليرة.
وحدد البنك المركزي في الحكومة السورية سعر الصرف للدولار الأميركي الواحد، 2515 ليرة سورية، بينما يبلغ سعر الصرف في السوق السوداء 3250 ليرة سورية.
“سوق منكمش”
وقال أسامة الخير (55عاماً) وهو اسم مستعار لخبير اقتصادي من السويداء، إن أصحاب رؤوس الأموال غير قادرين على توظيف أموالهم والمجازفة بها في ظل اقتصاد سوق منكمش وغير آمن ولضعف القدرة الشرائية لدى السكان.
“ما جعل مغتربي الخارج يشكلون القناة الوحيدة التي اعتمدت عليهم السويداء في تحريك أسواقها، سواء من خلال إرسالهم المال إلى عائلاتهم وأقاربهم أو من خلال مجيئهم صيفاً لقضاء إجازاتهم.”
واتهم الخبير الاقتصادي حكومة دمشق بأنها لم تحاول عبر سياساتها الاقتصادية إيجاد أي حلول استراتيجيّة لتطوير الزراعة أو تسويق نتاجها أو إقامة مشاريع ضخمة قادرة على تشغيل سكان السويداء وجعلهم “محميين مالياً”.