تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن الناتج المحلي الصافي الذي بلغ في عام 2000، 86.6 مليار ليرة سورية، صار نحو 129 مليار ليرة سورية في عام 2010 بأسعار عام 2000 الثابتة. بكلام آخر ازداد الناتج المحلي الصافي نحو 49% في عام 2010 بالمقارنة مع مستواه في عام 2000 بمعدل نمو سنوي تراكمي قائم بلغ نحو 4.9% (بدون حذف النمو السكاني). وبلغت حصة الفرد منه على التوالي 53.092، و65.838 ليرة سورية. هذا يعني أن حصة الفرد منه في عام 2010 ازدادت بنحو 24% في عام 2008 بالمقارنة مع عام 2000.
وبالنظر في تكوين الناتج المحلي الصافي في عام 2010 يتبين أن مساهمة الزراعة فيه قد بلغت نحو 17% في حين بلغت مساهمة الصناعة نحو 22%، والبناء والتشييد 4%، أي ما مجموعه 43%، وهذه القطاعات هي القطاعات المنتجة للثروة، في حين شغلت النسبة المتبقية القطاعات الأخرى مثل الخدمات والمال والتأمين والكهرباء والماء والنقل وهي قطاعات موزعة لها.
تبين المعطيات ذاتها أن تركيب الناتج المحلي الصافي بسعر السوق قد تغير بعض الشيء خلال الفترة من 2000 وحتى عام 2010 وما بعدها. ففي حين بلغت مساهمة الزراعة فيه نحو 25% في عام 2000 صارت نحو17% في عام 2010. أما بالنسبة للصناعة فقد ازدادت مساهمتها من 29% في عام 2000 لتتراجع إلى 22% في عام 2010 (الحصة الأكبر منها كانت من نصيب الصناعة الاستخراجية).
وفي الفترة من عام 2000 إلى عام 2004، دخل الاقتصاد السوري في أسوأ أزمة عرفها بعد أزمة 1984-1990. إذ توقف النمو في أغلب الفروع الاقتصادية الأساسية المنتجة للثروة، بل أخذ يتراجع بوتائر كبيرة. تبين معطيات المكتب المركزي للإحصاء، وتحليلات هيئة تخطيط الدولة، تراجع النمو الاقتصادي القائم (بدون حذف معدل النمو السكاني منه) من 5.8% في الفترة 1990-1996، إلى 2.9% في الفترة 1997-2004. ويكاد يصير سالباً إذا حذف منه معدل النمو السكاني.
وتبين معطيات هيئة تخطيط الدولة وتحليلاتها، وبيانات المجموعة الإحصائية لعام 2008 أن الزراعة و الصناعة، والصناعة الاستخراجية، والنقل هي القطاعات التي ولدت النمو في الاقتصاد الوطني خلال الفترة 1990-1996، في حين كانت مساهمة الصناعة، وخصوصاً الصناعة التحويلية سالبة خلال الفترة 1997-2008 وهي قطاعات ربحية حاملة للقيمة المضافة. اللافت ارتفاع مساهمة الصناعة الاستخراجية والنقل والخدمات في النمو (نحو 70%) خلال الفترة 1997-2004، وهي قطاعات بعضها ريعي ضعيف القيمة المضافة مثل الصناعة الاستخراجية، وبعضها لا يسهم في النمو الحقيقي، بل في توزيع ما هو منتج لذلك تعد قطاعات مولدة للتضخم.
إن معدل النمو المرتفع نسبياً خلال الفترة 1990-1996، يعود بالدرجة الأولى إلى الظروف السياسية الملائمة نسبياً في المنطقة بعد عملية تحرير الكويت، وبدء مفاوضات مدريد لإحلال السلام في المنطقة، بالإضافة إلى تحسن المناخ الاستثماري الداخلي بعد صدور القانون رقم 10 لعام 1991 والبدء بإنتاج النفط الخفيف في حقول دير الزور النفطية، ما شجع القطاع الخاص على الاستثمار.
أما الأسباب الكامنة وراء تدني معدل النمو، خلال الفترة 1997-2004 فهي عديدة، منها السياسة الانكماشية التي اتبعتها الحكومة، وتخفيض الاعتمادات المخصصة للاستثمار، و تراجع معدلات تنفيذ المشروعات المقررة، وتعكر الأجواء السياسية في المنطقة، وتراجع الآمال بتحقيق السلام. يضاف إليها استمرار ضعف القطاع العام الاقتصادي، وانتشار الفساد في المؤسسات العامة، والتي عبر عنها بشكل مكثف ضعف كفاءة الاستثمار.
وتشير المعطيات ذاتها إلى أن حصة الأجور والرواتب من الناتج المحلي الصافي خلال الفترة من عام 1970 حتى عام 2010 كانت بحدود 40% في حين كانت حصة الأرباح والريوع تصل إلى 60% منه. وتأخذ هذه المعطيات دلالة خطيرة لجهة تضييق السوق وإضعاف الطلب الكلي، خصوصاً إذا علمنا أن الذين يعيشون على الأجور والرواتب يمثلون نحو 90% من المجتمع، في حين يمثل الذين يحصلون على الأرباح والريوع نحو 10% من المجتمع فقط.
إن الاستقطاب الحاد في المجتمع نتيجة التوزيع غير العادل للناتج المحلي، وتدني المداخيل بصورة عامة، وزيادة الميل الحدي للادخار، وضعف الميل الحدي للاستثمار، وتفشي ظاهرة الفقر، كل ذلك ساهم في تراجع مستوى الطلب الكلي، وتضييق السوق.
باختصار وتكثيف، يمكن القول إن الوضع الاقتصادي في سورية في تلك الفترة كان يعاني من اختلالات هيكلية جوهرية زادت من اعتماده على القطاعات الريعية بدلاً من القطاعات الربحية. وبسبب تخلف مستواه التقني وضعف كفاءة تنظيمه وإدارته، وضعف أدائه تدنت معدلات نموه الكلية والقطاعية وتراجعت الكفاية الحدية لرأس المال وتراجعت إنتاجية العمل في مجمل القطاعات. في المقالة القادمة سوف نلقي الضوء على اقتصاد الظل في سوريا.