القامشلي – نورث برس
قالت سعاد القطناني، وهي كاتبة وباحثة ومعدة برامج تلفزيونية، الجمعة، إن برنامج “يا حرية” هو وثيقة إنسانية ضد الديكتاتورية وأدواتها التنفيذية.
و”القطناني” من مواليد السبعينات من مدينة اللاذقية فلسطينية الأصل (يافا)، وخريجة كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية في جامعة دمشق، وتحمل شهادة في أساسيات الإعلام والاتصال من كلية كونستوغا في كندا، وتزيد خبرتها في الإعلام المرئي عن 15 عاماً وعملت في تلفزيونات (الشارقة، انفينتي، بي بي سي عربي وتلفزيون سوريا).

ولها أكثر من كتاب، منها “بي بي سي انكسار الصورة” الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات، و”عشر عجاف” الذي صدر مؤخراً عن دار موزاييك للدراسات والنشر، و”الشراقة” هو تحسس لنبض المعتقلين ووجعهم، ولها أكثر من برنامج تلفزيوني منها “يا حرية” و”الصورة”.
وقالت لنورث برس: “أنا أعتبر نفسي سورية بقدر ما أنا فلسطينية.”
وقالت أيضاً:” ولدت لاجئة، وكانت الصفة لصيقة بي كاسمي، لم أنفصل يوماً عن هذا التعريف ولا عن إحساس اللجوء، وكنت أعرف ذاتي منذ ولادتي بسوريا، أني عربية فلسطينية أعيش مع إخوتي في سوريا.”
وأشارت إلى أنه “بعد انطلاق الثورة السورية صار اللجوء عندي هو لجوء مضاعف، لجوء بالولادة ولجوء آخر هو اللجوء السوري الذي عشته وعرفته، حين أشتاق لوطن أعرفه ولحارات أعشقها.”
وأضافت: “لي جيران أحبهم فأنا أتحدث عن اللجوء السوري وعن إحساس أن ما فقدته هناك لن يعود إلي أبداً، فقدت جزءاً مني هناك في سوريا، وبعدها صارت كل الأمكنة لدي سواسية.”
وتعيش “القنطاني” في بلاد، “لا تعيش فيّ، صرت أخاف أن أعشق المدن وأنا أعرف أني ظل مؤقت فيها، إحساس اللجوء هو إحساس الغربة القصرية.”
وشددت على أن ذلك “إحساس موجع بالفقد تضاف إليه المعاناة التي يعيشها اللاجئون والنازحون السوريون اليوم تحت أشجار الزيتون أو في مخيمات تفتقد لأدنى عناصر الحياة.”
وقالت إن الفعل الشعبي حول ما يجري في القدس، “هو النبض الحقيقي للشعب الفلسطيني، الانتخابات جرت في القدس حين هب المقدسيون للدفاع عن بيوتهم وحياتهم وحاراتهم، المقدسيون انتخبوا بأرواحهم.”
وانتخب المقدسيون، “بفعل المقاومة الشعبية بالصمود والحجر والأغنيات والصلاة، خرج الفعل من دائرة السلطة وصار الفعل ورده مرهون بصمود هذا الشعب الذي يثبت وعلى مدار عقود”، بحسب الكاتبة.
وأضافت: “رغم التطبيع والانفراد به، لكنه شعب حي، ودفاعه عن فلسطين هو دفاع عن حقه في الحياة وعن وجوده وهويته العربية الفلسطينية.”
بلدان الديكتاتوريات
وترى الكاتبة أن التدجين في بلدان الديكتاتوريات، والستار الحديدي المحكم الذي بنته “حول ما يجري في بلادها قد انكسر، والحكم بعقلية المافيات والعصابات لا يمكن أن يستمر، هذه الشعوب كسرت جدار الصمت.”
وتقول: “لا مكان للتدجين إلا لمن أراد أن يعيش ويموت ذليلاً، ولا بد أن تسير هذه الشعوب التي قالت (لا) نحو الديمقراطية حتى لو تعثر وتشعبت مسالكه، أنا مؤمنة بذلك.”
وتقول أيضاً: “أنتمي لهذه البلاد العربية المترعة بالألم والقهر والحلم، أعمل في الإعلام المرئي والمكتوب وأسعى كي تتوسع المساحة وتتسع لإعلام حر يُعلي من قيم الحرية والديمقراطية ويعمل من أجل كرامة الإنسان.”
وعن تعاملها في برنامج “يا حرية” مع المعتقلين الذكور والإناث، قالت: “في الأجزاء الثلاثة من البرنامج، كنت أسعى أن تكون نسبة الحضور النسائي جيدة ومن فئات متنوعة، مما يعطي فكرة عن المعتقلات السياسيات ومعاناتهن.”
أشارت إلى أن بكاء العديد من المعتقلين أمام الكاميرا، “لم يكن القصد هو البكاء، بقدر ما كان القصد البحث عما هو عميق وكثيف وحقيقي بعيداً عن أي ادعاء أو شعار، كنت أستشعر الألم الذي يحسه المعتقل أو المعتقلة من الصوت.”
وأضافت: “هناك فرق بين إجراء وتحضير اللقاء مع المعتقلين من الذكور أو النساء، التقيت بمناضلات لم يلتفتن إلى الوراء، وهن يحكين عن تجربتهن في الاعتقال.”
والوضع بالنسبة للمعتقلات كان أكثر حساسية، “وظلت البيئة الاجتماعية ضاغطة على المعتقلات وتزيد من تعقيد حياتهن، إحداهن طلبت إلغاء اللقاء بعد تسجيله واحترمت رغبتها ولم أعرضه.”
وكتابتها حول برنامج يا حرية، كانت “عما كان يهز روحي أثناء كل اللقاءات التي أجريتها، وما هي إلا مقدمة لكتاب سيصدر قريباً بعنوان “الشراقة”، يتحدث تحديداً عن هذه التجربة وكيف عايشتها وأنا أجلس أمام المعتقلين والمعتقلات.”
وأشارت أنها “أعادت صياغة الأسئلة والأجوبة لتصير سرداً وحكاية، استعدت ملاحظات كنت كتبتها اثناء التحضير للقاء، كما استحضرت وجع اللقاء وأثره بداخلي.”
وأضافت: “الكتاب يحتوي على ما قيل وما لم يُقل في الجزء الأول من شهادات يا حرية وهو عبارة عن اثنتي عشرة حكاية في 450 صفحة.”
وتسعى جهات دولية لاعتماد برنامج “يا حرية” كوثيقة حقوقية ضد الديكتاتورية وأدواتها التنفيذية، “وهو شيء جيد جداً.”
واقع مرتبط باليأس
وعن حالة اليأس عند الإنسان السوري والفلسطيني، قالت الكاتبة: “نعم واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي سيء، ولكن الثورات التي انطلقت في نهاية عام 2010 ثم تمددت في عام 2011 ما هي إلا صرخة وبداية لتغيير هذا الواقع العربي المتردي.”
وقالت: “صحيح أن المآلات كانت مؤلمة لهذه الثورات ولم تؤت ثمارها، ولكني على يقين أن الأمل موجود وسيبقى، لا يمكن لكل هذا الظلم أن يستمر.”
وأشارت إلى أنه “يمكن بث روح الأمل بإعادة سردية الحق، وبتكريس القيم الإنسانية وعدم انزياحها عن البوصلة، وبالعودة إلى روح الشعارات الأولى التي وحدت الناس على مطلب الحرية والكرامة ودولة المواطنة المتساوية.”
واستعادت “القطناني” من كتابها “ما كنته خلال عشر سنوات من خلال بعض المقالات التي كتبتها، وما فاجأني أثناء جمع هذه المقالات، أن جلها كان عن فلسطين وسوريا، ولهذا أعرّف نفسي بأني ابنة الوجعين.”
وأشارت إلى أن “حكاية اللجوء الفلسطيني تبعثرت إلى أن صارت حكايات في اللجوء السوري، والوطن صار حقيبة تنتظر عند الباب، الطريق إلى أرض اللجوء صعبة وموجعة.”
وقالت إن “ما عاشته الأم الفلسطينية على طول عقود ينطبق اليوم على ما تعيشه الأم السورية، وبدل أن تعيش الأمهات في أوطانهن صار الوطن يعيش فيهن، صار الوطن حكايات ومذاقات للطعام.”
وصارت روائح الوطن مع الأمهات “روائح للياسمين والنارنج والزيتون، صار الوطن أغنية ونغمة وذاكرة حميمة، الأمهات باختصار وبعيداً عن الرومانسية هن الوطن.”
كسر النمطية
وقالت إن كسر النمطية في برنامج حكاية صورة الذي يعرض حالياً على تلفزيون سوريا، “فقد عرض هذه الفكرة عليّ أثناء إدارتي للبرامج الأستاذ إسماعيل مطر.”
وأضافت: “اتفقنا مع عبد الرحمن الكيلاني لتنفيذ هذا العمل، والتقينا عدة مرات وحددنا الصور التي ستحكي حكاية الوجع السوري والثورة السورية على مدى العشر سنوات الماضية.”
وعناصر الحكاية هي صاحب الصورة وحكاية وسياقات أخذه لهذه الصورة، إضافة لمن ظهر في هذه الصورة وكان يعيش الحدث، ومكان الصورة.
وهذه العناصر تم الاتفاق عليها بأن تكون جزء من الحكاية. “حضرت عدة حلقات بعد عرضها، وسعيدة جداً أن هذا العمل رأى النور.”
وعن الفروق بين الكتابة، قالت: “لا فرق من حيث المنهجية في كتابة وتقديم ما يحترم عقل ووعي المشاهد أو القارئ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كل كتابة هي جهد عقلي.”
ويتم في الكتابة استحضار الخبرات المعرفية لإنجاز المبتغى أو المطلوب، هذا من حيث أنها فعل إنساني عام، بالنسبة للكتابة لبرنامج تلفزيوني أو الإعداد لحوار أو لندوات سياسية.
وأضافت: “أضع المقولة أو المعلومة التي أريد أن أخرج بها من هذا اللقاء نصب عيني، مراعاة السياسة التحريرية من المبادئ الأساسية في هذه الكتابة.”
وأشارت إلى أنه “من المهم القول إن الأسئلة والمحاور تُبنى على قاعدة المعرفة بالموضوع المطروح أو النقاش الدائر وليس من باب الجهل.”
وعن كتابة كتاب، قالت: “أكون أنا الناظم لهذا العمل ولسياقاته، كتابي الأول (بي بي سي انكسار الصورة) الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كان شهادة وسيرة ذاتية على ما عايشته في مؤسسة إعلامية عالمية عريقة.”
وأضافت: “هذا الكتاب كان نبضاً حياً ليومياتي التي كتبتها بكل ما فيها، أما كتابي الثاني (عشر عجاف) الذي صدر مؤخراً عن دار موزاييك للدراسات والنشر.”
ووصفت سعاد القطناني، الكاتبة والباحثة ومعدة البرامج التلفزيونية، كتابها بأنه “رصد لنبض ووقع الثورات في روحي على مدى عشر سنوات، كتابي الثالث (الشراقة)هو تحسس لنبض المعتقلين ووجعهم فيّ.”