القامشلي – نورث برس
يرى معارضون سياسيون أن تطبيع دول عربية مع “النظام” السوري، “أصبح بشكل علني ومن فوق الطاولة.”
وتقوم بعض الدول العربية بإرسال رسائل خاصة تتضمن نيتها التطبيع مع الحكومة السورية، خاصة وأن الإدارة الأميركية الجديدة، لم تظهر أي موقف خاص في معالجة الوضع السوري.
والموقف الوحيد الذي صدر عن الولايات المتحدة، هو تمديد حالة الطوارئ في سوريا.
ومن الدول العربية التي تسعى للتطبيع مع الحكومة السورية، “الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى عمان الخليجية.”
وقالت حسيبة عبد الرحمن، وهي عضو المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي في دمشق، لنورث برس، إن “تقارب الأنظمة العربية بشكل عام يتم مع النظام، وقد بدأته دولة الإمارات العربية.”
وبداية هذا الشهر، تناقلت تقارير صحفية، زيارةً أجراها رئيس جهاز المخابرات السعودي الفريق خالد الحميدان، التقى خلالها بالرئيس السوري بشار الأسد، ونائب الرئيس للشؤون الأمنية اللواء علي المملوك.
وقالت “عبد الرحمن”، إن “صح خبر اللقاء، فهذا يعني أن مسيرة التطبيع مع النظام تتسارع خصوصاً في توقيت الانتخابات الرئاسية. وهذا يعني القبول به رئيساً.”
لكن تركيا وقطر “لا تزالان تدعمان المعارضة السورية وتحديداً الإخوان المسلمين ومن يدور بفلكهم، أما السعودية فأصبحت أقرب لدعم توجه هيئة التنسيق.”
تعويم واعتراف
واعتبرت المعارضة السورية، أن “التواصل مع النظام هو شكل من أشكال التعويم والاعتراف به وإعطائه بعض الشرعية. اعتقد السعودية وباقي دول الخليج لن تجرؤ على التقارب مع النظام دون ضوء أصفر.”
وشددت على أن التقارب “قد يكون مرتبط بالمباحثات الأميركية الإيرانية كإعلان للنوايا الحسنة, وقد تتراجع الولايات المتحدة عنه في أي لحظة سياسية، لأنه لم يتم بعد إنجاز تسوية مع الروس.”
وعن دخول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الخط، قالت: “يتجلى موقف النظام منه، بعدم الاكتراث من خلال المواقف وعدم التصريحات الرسمية وغير الرسمية ومن خلال التغطية الإعلامية.”
وقالت: “كان هناك، كما يقال طبخة طبخت تحت الطاولة تتعلق بالتسوية والتطبيع على مستوى المنطقة، وهذا لا يعني أن الغرب سيتوقف عن التصريحات حول عدم شرعية الانتخابات.”
وأشارت إلى أن “مفعول الطبخة على الأقل سيكون مرحلياً حتى تحين اللحظة السياسية الملائمة، إما بتعويم الأسد عالمياً أو الاستمرار في سياسة استنزاف القوى السورية لكافة الأطراف.”
ويتعلق الأمر، بحسب “عبد الرحمن”، بـ”الحوار الأميركي ـ الروسي من جهة، والأميركي ـ الإيراني من جهة ثانية، واستكمال مشروع التسوية والتطبيع مع إسرائيل، وليس مرتبط بمصالح الشعب السوري وحقوقه.”
إعادة صلة
وقال منذر إسبر وهو عضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية، إنه إضافة للعلاقات المميزة لبعض الدول العربية كمصر والجزائر وعمان، “نجد إعادة الصلة مع النظام السوري سواء مع الرئيس السوداني عمر البشير قبل سقوطه أو الإمارات وموريتانيا، وجميعها علاقاتها وثيقة مع السعودية.
وتتعلق جانب من إعادة الصلة بالعراق “الذي أسفر غزوه من قبل أميركا عن انهيار الدولة العراقية، ما تطلب من الولايات المتحدة مشروع إعادة ترتيب الشرق الأوسط.”
ويرى “إسبر” أنه في الواقع، “سياسة المنظومة العربية التي دفعتها الأحداث إلى إقصاء سوريا عن الجامعة العربية، قد فشلت، ما أفضى إلى ضرورة وجود حل سياسي لإشكالياتها، للدفاع عن استمرار المنظومة، وذلك بوجود سوريا.”
ولا يمكن فهم هذا التقارب إلا على ضوء حقيقة النظام العربي أي جامعة الدول العربية، بحسب المعارض السوري.
وقال: “النظام العربي لا يقوم على الديمقراطية أو على وحدة المصالح العربية، وإنما على الاعتراف بسيادة واستقلالية الدول الأعضاء بحدودها القائمة.”
ويترتب على ذلك، “فض المنازعات بالطرق السلمية، بما يجعل هذا النظام مستمراً في مهامه.”
ولذلك فـ”المسألة تتعلق لا بإعادة تأهيل النظام السوري بحد ذاته، وإن كان سيستفيد من ذلك، بل بإعادة الاستقرار والاستتباب للنظام العربي الدولاني دون أن يتحول لاتحادي أو فدرالي يخلصه من تناقضاته أو نزاعاته التي تتفجر تحت ضغط القوى الشعبية العربية أو الأجنبية عليه.”
ويضطر النظام العربي للعمل على الإمساك بزمام تلك الدول “حتى لا يتفجر هو نفسه، لأن مهمته الأساسية هي الحفاظ على هذه الدول وحدودها والاستقرار فيها قبل كل شيء.”
وشدد “إسبر” على أنه يجب عدم “استغراب عودة العلاقات العربية مع سورية وانضمامها إلى الجامعة العربية مثلما عادت مصر بعد طردها منها إثر اتفاقيات كامب دافيد المناهضة لحق الشعوب العربية.”
وأشار إلى أن المصالحة بين النظم العربية تتم على حساب المعارضات فيها.
وبقيت خيارات الولايات المتحدة كما أعلنت عنها تستهدف مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في حين أنها “تمكنت بالنسبة للنظام السوري بالتهديد بالقضاء عليه عسكرياً، فالتحول عن ذلك يكون بعدم استهدافه.”
وطالبت واشنطن “النظام السوري”، بتحسين سلوكه وفرضت عليه عقوبات وعلى الشعب أيضاً، “وتحسين السلوك يكون بعد زوال التهديد العسكري، بإقامة الحل السلمي التفاوضي الذي تطرحه أميركا مع روسيا بقبول شروط الأولى.”
وأشار إلى أن أميركا هي “الأمة الضرورية التي يحتاجها العالم”، حسب الرئيس كلينتون، ولأن العالم يحتاج إلى (القيادة الزعامية لأميركا) حسب وزير الخارجية الأميركية بلانكين، ولا زعامة بلا حماية المصالح والنفوذ، بحسب “إسبر”.
وأضاف: “أميركا كما اعتادت ذلك في علاقتها مع مختلف الأنظمة، ديكتاتورية كانت أم لا، وطبقاً لسياستها البراغماتية، وبالأحرى النفعية مستعدة لمد اليد إلى النظام السوري طالما يقوم بتحسين سلوكه.”
وعن توجه الإدارة الأميركية، قال: إنها “تميل لتهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط والعودة إلى التفاوض مع إيران وإنهاء الحرب اليمنية والاستمرار في التدعيم اللامشروط لإسرائيل.”
ورأى أن أميركا، “لن تمانع من عودة النظام السوري إلى المنظمة الإقليمية العربية بمراعاة الشروط الأميركية.”
ولا يستبعد المعارض، أن تكون هذه الشروط، “المشاركة في إعمار سوريا وإقامة حكم موال لها والانخراط في التطبيع وتقليص النفوذ الروسي والإيراني.”
مصالح خاصة
وترى سحر حويجة وهي محامية ومعارضة سياسية، أن “الدول العربية لها مصالحها الخاصة مع النظام السوري، كما تلعب دوراً وظيفياً في إطار المجتمع الدولي، بإيعاز من هذه الدولة أو تلك القرارات ضد النظام.”
وأشارت إلى أن “دور السعودية يتأثر بعلاقتها مع روسيا وتبعاً للمواقف من إيران، حيث بدا أن روسيا تتجه لإضعاف الموقف الإيراني، وخضوع النظام لهذا القرار يساهم في التقارب السوري ـ السعودي.”
وقالت إن “الدور الإسرائيلي هام ومؤثر على حركة الأنظمة العربية اتجاه دمشق خاصة بعد عمليات التطبيع التي تمت، وأعطت هذه الدول هامشاً من الحركة لإجراء تسويات بالاتفاق مع إسرائيل حتى لو عارضت أميركا.”
وعن علاقة هذه الدول بالمعارضة، قالت: “عندما تقترب السعودية من النظام، أصفت عليه شرعية كانت ترفضها سابقاً، ولكن هذا لا يعني أنها قطعت صلتها مع المعارضة، فهي في موقع القوة بالنسبة للنظام، والأخير بحاجة لموقفها.”
وشددت على أن السعودية “ليست مضطرة للتنازل عن دعم المعارضة، وهناك قسم منها يعتمد على الدعم السعودي، ربما السعودية تكون طرفاً لمبادرات تسوية في ظل خفوت أو غياب الدور الدولي.”
والشرعية الدولية لفرض تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري، “تطالب النظام بتنازلات من دون أن تمس بشرعية وجوده، دون أن يؤخذ رأي المعارضة.”
في حين يرى أحمد الخليل، وهو معارض وصحفي سوري، أن “التقارب بين النظام السوري وبعض الدول العربية هو رغبة مشتركة، فالأنظمة العربية في جوهرها متشابهة، وأعتقد أن قمع الانتفاضة السورية بوحشية هي محط إعجاب الأنظمة العربية الأخرى.”
وأشار إلى أن الأنظمة “بعكس ما يعلنه إعلامها، وموقف قسم من الدول العربية من النظام السوري في سني الانتفاضة الأولى، جاء في سياق صراع سياسي إقليمي أطرافه إيران والسعودية وتركيا وقطر.”
“عودة للحظيرة”
وقال: “بعد أن هدأ هدير الدبابات وتباطأ عداد الموت السوري، ستعود العلاقات بين الدول العربية والنظام السوري إلى سابق عهدها.”
وأعرب عن اعتقاده بأن “إعادة تأهيل النظام تسير على قدم وساق، منذ سنوات. وبالنسبة للولايات المتحدة، فالقضية السورية ليست أبداً في قائمة أولوياتها، وهي تترك قانون قيصر والعقوبات الأخرى تأخذ مجراها بدون أي دفع أو تسريع. والتقارب بين الدول العربية والنظام السوري لا يزعج أميركا بشيء بل بالعكس يرضيها.”
وأشار إلى أن “النظام بقي شرعياً في المحافل الدولية، وحسب القانون الدولي، ولم تغلق أي سفارة له في العالم.”
وأضاف: “ها هو النظام يجري انتخاباته الرئاسية باطمئنان، فهو يدرك رغبة الدول الكبرى والدول الإقليمية في غض النظر عما حدث، وإعادته إلى الحظيرة، نظاماً مطيعاً منزوع الأنياب يحكم بلداً محطماً بالكامل.”