الرشاوى والتكاليف غير المنظورة تعيق تطبيق التجارة الداخلية السورية بخصوص تبادل الفواتير
دمشق ـ نورث برس
لا يوجد تبادل للفواتير في حركة الأسواق وهذا الحال قديم، ويتم التشدد حالياً بقصد تغييره، إلا أن بعض التجار يؤكدون استحالة إمكانية تطبيق نظام الفوترة بهذه الطريقة مهما تشددت الحكومة السورية والرقابة في ذلك، لأن تبادل نظام الفواتير يحتاج إلى تهيئة لا تقل عن خمس سنوات.
وأقل مطلب لتطبيق نظام تبادل الفواتير بين كل الحلقات هو سعر صرف ثابت، واحتساب التكاليف الحقيقية، فهنالك رقم كبير يُدفع كرشاوى خاصة أثناء تصريف القطع الأجنبي وقد تصل أحياناً نصف الفارق وهذا لا تلحظه الفواتير.
والشهر الماضي، أصدر الرئيس السوري، بشار الأسد، المرسوم رقم 8 لعام 2021، الذي تضمّن ضوابط وتشديداً على التجار، بهدف تنظيم حركة الأسواق التجارية واعتبار التلاعب بالأسعار أو الغش بالمواد جريمة تستلزم الحبس والغرامة المرتفعة.
ويلزم المرسوم المستوردين الاحتفاظ ببيانات الاستيراد للمواد، كما أنه يلزم البائع بالاحتفاظ بفواتير الشراء، بهدف “تنظيم أحكام البيع والتخزين والجودة.”
ويتم تطبيق ذلك من خلال إلزام التجار بتنظيم فواتير لمبيعاتهم سواء كانت تقسيطاً أو آجلةً، بينما أَعفى المزارع من إعطاء الفاتورة.
وشدد المرسوم العقوبات بحق المخالفين لتجمع بين الحبس الذي يصل إلى سبع سنوات وغرامة بثلاثة أضعاف سعر السلعة.
ومنح الضابطة التموينية، التابعة لوزارة حماية المستهلك، صلاحية القبض على المخالف وإحالته إلى القضاء بعد تنظيم الضبط مباشرةً.
سعر افتراضي
يقول صاحب محل أحذية في باب الجابية بمدينة دمشق، عن الأسباب التي تحول دون تبادل الفواتير، إنه لا أحد يعطي الفواتير الحقيقية بحد أدنى سواء من الصناعيين أو المستوردين.
ويرى أن المشكلة الأساسية هي في طريقة تسعير الدولار، حيث أنه يتم تحديد سعر الصرف بأقل من سعر السوق، وهذا يعني أن الحكومة تسعر البضاعة على أساس سعر افتراضي أو ما ترى أنه يجب أن يكون عليه.
كما أن هناك مشكلة أخرى لا تقل أهمية “وهي التكاليف غير المنظورة التي يدفعها كل تاجر أو صناعي وتشكل نسبة كبيرة من تكاليف منتجه.”
وأعرب صناعيون من مختلف المجالات عن تمنيهم أن تكون كل أعمالهم نظامية، بحيث يتجنبون المخالفات والمساءلة، ولكن على أرض الواقع لا يمكن لهذا الأمر أن يتحقق.
يقول الصناعي محمد عبد الله (اسم مستعار)، وهو مختص في صناعة الألبسة بحلب، إن اعتماد التسعيرة النظامية، وتبادل فواتير حقيقية يحتاج مجموعة من الشروط أغلبها غير متاح حالياً.
ومن الشروط: “أن يكون المعمل مرخصاً، ولكي يكون كذلك يجب أن يحقق الشروط المطلوبة للترخيص، كتحقيق شرط المساحة، والعمالة المؤمنة، وكل هذا غير موجود في ظروف الحرب.”
وتضاف إلى المشاكل السابقة، مشكلة الكهرباء غير المؤمنة، إذ أن الكثير من الصناعيين تهجَّر وخسر معمله، وعاد يعمل بظروف وشروط غير مناسبة، “ما يتسبب بتكاليف لا تلحظها التسعيرة التي تفرضها وزارة التجارة الداخلية.”
وعن أسباب عدم تبادل الفواتير، قال عبدالله المحمد (46 عاماً)، وهو اسم مستعار لصاحب محل أحذية في محافظة اللاذقية، تم التواصل معه عبر تطبيق الواتس آب، إنه “لا يمكن تطبيق نظام الفوترة.”
وأشار إلى أن التشدد في هذا الاتجاه “لن يعني سوى أمر واحد، وهو إخفاء البضاعة الأجنبية التي لا يوجد فيها فواتير في المستودعات وإظهارها حين الطلب لتجنب العقوبات التي يمكن أن يتعرض لها صاحب المحل، لأن تاجر الجملة لن يعطيه فواتير بالبضاعة.”
ولا يحصل صاحب المحل على الفاتورة من تاجر الجملة، وإذا حصل فستكون الفاتورة بسعرين، كأن تكون التسعيرة في الفاتورة الأولى 15 ألف ليرة، وللمفرق 16 ألف وخمسمئة ليرة، بحيث يبرئ المنتج أو المستورد نفسه من المسؤولية.
والمشكلة التي يتعرض لها صاحب المحل، هي “أن آلية عمل مراقبي التجارة الداخلية وعقوباتهم تركز على الحلقة الأخيرة وهم تجار المفرق.”
وأعرب “المحمد” عن اعتقاده بأن الهدف من ملاحقة تجار المفرق هو أنه يريدون منهم أن يتحولوا إلى أداة للضغط على التجار أو المستوردين عند مطالبتهم بإعطائهم الفواتير.
ولكن هذه الطريقة أيضاً لا تحقق أي نتيجة، “لأنه بكل بساطة لا يعطي تاجر الجملة الفاتورة، وأصحاب محال المفرق لا يملكون أدوات للضغط عليه كي يعطيهم فاتورة نظامية.”
وإذا امتنع كل تجار المفرق عن الاستجرار “يستطيع التاجر أن يحتفظ ببضاعته في المستودعات الأمر الذي يتسبب برفع الأسعار من جهة، وبيعها من قبل من يغامر بطرق أكثر التفافاً من جهة أخرى.”
لكل هذا، يرى بعض التجار أن التشدد بمخالفات عدم تبادل الفواتير سيؤدي إلى توقف العمل وشلل الأسواق، لأن سبب الفوضى الحالية هو نقص السلع والقوة الشرائية أو الأموال.
وأشاروا إلى أن العلاج في تشجيع المنافسة التي هي أساس عمل الأسواق أما هذه الطريقة التي وصفوها “بالمعلبة” بالتسعير، فلا يمكن تطبيقها حالياً، ويحتاج الأمر إلى أكثر من خمس سنوات من التهيئة.
“هكذا تدخل“
وتحدث أحد موظفي الجمارك السابقين، فضل عدم الكشف عن اسمه، يقيم في دمشق، عن كيفية دخول بضاعة غير مجمركة.
وقال إن “تاجر الجملة يجمرك مثلاً 100 كرتونة من بضاعته المستوردة، ومن ثم يقوم بإدخال ما تبقى منها على البيان الجمركي ذاته دون معرفة محتويات ما تبقى منها.”
وأضاف: “كل هذا يتم باتفاق ودفع المعلوم. وعندما ينقلون البضاعة ضمن البلد يستخدمون البيان الجمركي ذاته الذي يحميهم.”
وغالبية المعنيين بالتدقيق لا يجيدون قراءة البيان أو معرفة طريقة التلاعب هذه، كما يقول الموظف السابق، لتنتقل المشكلة إلى تجار المفرق عندما يبيعون بدون فاتورة نظامية.
ومن وجهة نظر أسامة العيد، وهو اسم مستعار لصاحب محل ألبسة في الحريقة بدمشق، “ما تسعى له الحكومة حالياً ليس حل مشكلة عدم تبادل الفواتير، بل الحصول على الأموال.”
وتتم الغاية “سواء عن طريق الضرائب لأن اعتماد هذه الآلية يكشف التاجر مالياً وبالتالي ضريبياً، أو من خلال غرامات العقوبات.”
وأضاف “العيد” أن المرسوم (8) لحماية المستهلك يتشدد في العقوبات ويعطي صلاحيات كبيرة لموظف التموين.
وفي السابق، كانت الغرامة تصل إلى 25 ألف ليرة، بينما الآن يمكن لأي عقوبة أن تخرج التاجر من العمل برمته، أو ترمي به في السجن وهذا أمر غير منطقي.
ويأتي هذا وسط فوضى تشهدها الأسواق سببها نقص الأموال والبضائع، وهذه الطريقة تعني أن التاجر “سيتضرر” عندما يقدم فاتورة نظامية مع أسعار صرف غير ثابتة وبضائع غير انسيابية.
وهذا الحال تجده في أغلب القطاعات، إذ اشترى مؤخراً، طارق الأحمد، وهو اسم مستعار لصاحب صيدلية زراعية في حي البرامكة بدمشق، اشترى سلعة من الموزع بمبلغ 125 ألف ليرة، وأعطاه فاتورة بقيمة 14 ألف ليرة.
وأشار إلى أنه إذا أرغم على بيع “كرتونتين” مثلاً بسعر الفاتورة “فهذا يعني أنه يبيع بخسارة لن يعوضها في عامين، وهذا يدفع الجميع للبحث عن طرق لتعويض الخسائر.”
وكذلك الحال مع أصحاب محطات الوقود، حيث أشار صاحب محطة وقود في منطقة الغاب فضل عدم ذكر اسمه، تم التواصل معه عبر الماسنجر، إلى أن ربحه المتاح للصهريج الواحد دون احتساب كل التكاليف أقل من 100 ألف ليرة.
وشدد على أنه يضطر في الكثير من الأحيان لتعبئة محروقات مجانية لبعض الشخصيات النافذة، الأمر الذي يدفعه لترميم هذه الخسائر على حساب بقية زبائنه.
“هذه مبرراتنا“
وتحدث أحد التجار من غرفة تجارة دمشق، لنورث برس، فضل التكتم عن ذكر اسمه، عن أسباب تهرب المستوردين من إعطاء فواتير حقيقية لتجار المفرق والجملة.
وقال إن أغلب المستوردات تتم بفاتورة مخفضة بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية والإضافات غير المنظورة، وبالتالي فإن أسس التكليف أو الصك التسعيري أو الأسعار الاسترشادية “تصبح كلها حبر على ورق.”
وأضاف التاجر، أن الحل في تخفيض الرسوم الجمركية لتصبح الفواتير صحيحة، أما في حال عدم تخفيض الرسوم، وتماشياً مع المرسوم (٨) الخاص بحماية المستهلك سيتم رفع الفواتير بالجمارك، وهذا بدوره سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلك بأرقام كبيرة.