أطفال أيتام في إدلب.. معاناة مضاعفة في ظل غياب الكفيل

إدلب – نورث برس

يذهب الطفل طارق السلوم (12 عاماً)، هذه الأيام، إلى ورشة لأعمال البناء في إدلب، شمال غربي سوريا، لبدء عمل شاق بهدف الإنفاق على أمه وإخوته الثلاثة بعد وفاة والده قبل سنتين في أحد معتقلات حكومة دمشق.

وخلفت الحرب السورية عدداً كبيراً من الأيتام الذين فقدوا أحد أبويهم أو كليهما، ليعيشوا بين معاناة الضياع والحاجة، في ظل غياب أي جهة تهتم بهم وترعاهم.

وبحسب بيان لفريق “منسقو الاستجابة” في الثامن والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، بلغ عدد الأطفال الأيتام في مناطق شمال غربي سوريا 198.632 طفلاً دون سن الثامنة عشرة، فيما وصل عدد النساء الأرامل دون معيل إلى 46.892 امرأة.

لا كفيل

وليس لدى عائلة طارق أي دخل إضافي سوى عمل ابنهم، باستثناء سلة غذائية شهرية تصلهم كغيرهم من العائلات.

حال هذا الطفل كحال مئات الأيتام في إدلب والذين ظلوا دون كفالة بعد وفاة آبائهم ليعيشوا فريسة دخل محدود ومصير مجهول.

وفجأة في عمر ما، يجد الطفل نفسه أمام مسؤوليات العمل الشاق لتأمين نفقات الحياة اليومية، فيضطر مثل طارق لترك المدرسة لعدم قدرته على التوفيق بين دوامي المدرسة والعمل.

رعاية غائبة

وعلى عاتق أمهات الأطفال الأيتام تقع مسؤوليات مضاعفة منها الرعاية والتربية والعمل لتوفير مصدر دخل لأسرهن.

وتكون الكارثة حين تتخلى الأم مع زواج جديد عن مسؤولياتها تحت ضغوطات الأهل أو المجتمع المحيط، مما يتسبب بتفكك الأسرة، واحتمال تعرض الأطفال للانحراف والضياع والاستغلال.

وتضطر وليدة البكري (39 عاماً)، وهي نازحة من مدينة سراقب فقدت زوجها منذ عام 2018 بغارة حربية، لترك أبنائها الخمسة طوال اليوم داخل الخيمة، لتذهب إلى العمل في الورشات الزراعية.

ومساء كل يوم، تعود “البكري” لتبدأ مهمة القيام بأعمال المنزل وتحضير الطعام.

وبعد صمت لفترة قصيرة، تعاود الكلام بتنهد: “أشعر بتقصير تجاه أطفالي، ولكن يجب أن أعمل لنبقى على قيد الحياة.”

وتشكو “البكري” من فقدانها السيطرة على ولدها الأكبر البالغ من العمر (14 عاماً)، حيث أنه “أصبح يدخن السجائر، ولم أتمكن من إجباره على ترك تلك العادة السيئة.”

وترعى عائشة المحيميد (50 عاماً)، في مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، حفيدتيها البالغتين من العمر (خمسة أعوام وسبعة أعوام)، وذلك بعد وفاة والدهما وتخلي والدتهما عنهما بقصد الزواج من رجل آخر.

وقالت “المحيميد” النازحة من ريف معرة النعمان: “لم تعرف الصغيرتان من حياتهما سوى الألم والعذاب، حيث تفتقدان الرعاية والحنان، وأخشى عليهما من مصير مجهول بعد وفاتي.”

معاناة نفسية

وقد يؤثر غياب الأب والأم على الأبناء إلى درجة إصابتهم بالاكتئاب وضعف علاقتهم الاجتماعية مع الآخرين، وربما يصل الأمر إلى جنوح بعضهم، بحسب وليد المطر (40 عاماً) العامل في مجال التوعية والإرشاد النفسي من مدينة سرمدا.

وأشار “المطر” إلى أن الاضطرابات النفسية تظهر من خلال نقص التركيز، واضطرابات النوم والسلوك العدواني وضعف الثقة بالنفس.

وأضاف: “كما يشعر الأبناء الأيتام بالوحدة النفسية، وقد يمتد إلى التأثير على النمو العقلي والانفعالي والمعرفي.”

إعداد: حلا الشيخ أحمد ـ تحرير: معاذ الحمد