إدلب – نورث برس
بخلاف ما اعتاد السوريون منذ عقود، يعيد زياد طعمة (53عاماً) وهو مزارع من مدينة إدلب شمالي البلاد، إلى الأذهان مشاهد حراثة الأرض بطرق بدائية بالاعتماد على الدواب أو ما يعرف محلياً “الفلاحة بالفدان”.
لكن طعمة ليس الوحيد من عاد إلى طريقة الآباء والأجداد فهناك العشرات من المزارعين باتوا يتبعون طرق بدائية نظراً لتكلفتها القليلة مقارنة مع التكاليف الباهظة للحراثة بالجرارات التي لم يعد بإمكانهم تحملها.
غلاء في كل شيء
يقول “طعمة” إن تكلفة حراثة أرضه بواسطة الجرار الزراعي بلغ العام الماضي قرابة 250 ليرة تركية (92.500 ليرة سورية)، في حين لم تتجاوز تكلفة حراثته بالفدان هذا العام نصف المبلغ السابق.
كما أن ارتفاع أسعار المحروقات ومستلزمات الزراعة، ساهما في عودة أساليب الزراعة القديمة بعد تراجع استخدامها مع ظهور الآلات الحديثة مثل ” الجرارات والفرامة”.
وتتكون ” الحراثة بالفدان” من سكة حديدة يجرها عدة دواب، ويتحكم المزارع بالسكة عبر رفعها وغرسها في التربة، مما يعطي أداءً منتظماً وعمقاً جيداً يؤهلان التربة لزراعة ذات محصول وفير بحسب مزارعين.
ويقول “طعمة” إن هذه الطريقة “آمنة وأفضل من طريقة الحراثة بالجرارات التي تسبب أضراراً بالأشجار واقتطاع جذورها وتكسير أغصانها.
ويقول مزارعون إن شركة “وتد للبترول” التي تديرها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) تستمر في احتكار سوق المحروقات، وتقوم برفع أسعار المحروقات في منطقة إدلب.
ووفقاً للائحة أسعار المحروقات التي أصدرتها ” وتد ” أمس السبت، يصل سعر اللتر الواحدة لمادة الديزل (المازوت) المستورد إلى 6.03 ليرة تركية أي ما يعادل 2500 ليرة سورية، وهو ما يفوق قدرة المزارعين في المنطقة، بحسب “الطعمة”.
على خطوط النار
ورغم ما يحمله العمل في الأراضي الواقعة على خطوط التماس من مخاطر قد تهدد حياة المزارعين، إلا أن ما يدفع بعضهم للمجازفة بحياتهم، هو أن الأرض هي مصدر دخلهم الوحيد.
مهدي المنصور (36عاماً) من مدينة جسر الشغور هو أحد هؤلاء المجازفين فيحرص على حراثة أرضه الواقعة على خطوط التماس بين فصائل للمعارضة وقوات الحكومة السورية.
ويعتمد المنصور على الحراثة بالفدان لكن ليس بسبب قلة التكاليف فقط بل لتخوف من استهداف قد يتعرض له فيما لو قام بالحراثة بواسطة الجرار وهو ما حصل بالفعل مع مزارعين في هذه المنطقة في أوقات سابقة.
يقول “المنصور” لنورث برس، إن الحراثة بالفدان لا تصدر ضجيجاً أو صوتاً يلفت الانتباه ويعرضه للخطر، “حيث أعمل على حراثة أرضي في أوقات معينة، لتفادي الاستهداف.”
وتسيطر فصائل المعارضة على قرابة 1500 كيلو متر مربع من الأراضي الزراعية، في منطقة إدلب وذلك بعد أن خسرت مطلع العام 2019 نحو 2300 كيلو متر مربع منها، لصالح قوات حكومة دمشق، وفقاً لتقارير إعلامية.
يقول أحمد السعيد(23عاماً) اسم مستعار لأحد النازحين من مدينة معرة النعمان إلى جسر الشغور بريف إدلب الغربي، إن الحراثة بالفدان تدر عليه دخلاً جيداً يكفيه وعائلته في تأمين احتياجاتهم الأساسية.
ويقول ” السعيد ” الذي باتت الحراثة بالفدان مهنته الأساسية إن الطريقة تشهد إقبالاً كبيراً من المزارعين الذين باتوا يعتمدون عليه في حراثة أراضيهم الزراعية، ويتقاضى أجوراً أقل من تلك التي يتقضاها أصحاب الجرارات، إذ يأخذ مقابل كل ساعة عمل ثلاث ليرات تركية.
ويشاركه في المهنة ياسين الخليل(58عاماً) من بلدة قاح، ويقول لنورث برس، إنه لولا هذه الطريقة لما “استطعت زراعة أرضي الجبلية التي لا يمكن للآلات الزراعية الوصول إليها، نظراً لوعورتها وطبيعتها الجبلية.”