إدلب – نورث برس
زرع عمر الطويل (32 عاماً)، ثلاثة أصناف من الخضار في مساحة لا تتجاوز عشرة أمتار مربعة في الفسحة المتبقية خلف خيمته في مخيم للنازحين شمال إدلب، شمال غربي سوريا، وذلك لتأمين حاجة عائلته وسط الارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار الخضار في الأسواق.
ورغم عدم مقومات الزراعة في المخيمات، يسعى نازحون إلى إنشاء مساحات صغيرة قرب خيامهم للاستفادة من إنتاجها وجمال منظرها.
وتشهد المناطق السورية عموماً موجات ارتفاع للأسعار، شملت حتى الخضار الموسمية والمنتجات المحلية في ظل عدم استقرار صرف العملات واختلاف تداولها بين منطقة وأخرى وبين التجار والمستهلكين.
تربة غير صالحة
ومطلع العام 2020، نزح “الطويل” من مدينته معرة النعمان، جنوب إدلب، لينتهي به المطاف في مخيم بالقرب من بلدة دير حسان على الحدود السورية التركية، حيث يزرع الآن الباذنجان و الفول و البندورة في مساحة صغيرة.
ورغم أن المخيم يقع في منطقة صخرية لا تصلح للزراعة، قام النازح بشراء سيارة من التراب الأحمر الذي يصلح للزراعة بسعر 100 ليرة تركية (نحو 40 ألف ليرة سورية) وفرشه بالقرب من خيمته.
وقال: “حينها تمكنت من زراعة هذه الأنواع على الرغم من ضيق المساحة، إلا أن اللون الأخضر لا سيما في فصل الصيف يشرح الصدر ويريح النفس في المخيمات القاحلة.”
وتنتشر في محافظة إدلب مئات المخيمات، بينها عدد كبير من المخيمات العشوائية، وتضم أكثر من مليون نازح فروا من مختلف المناطق السورية بسبب الحرب.
ونزح داخلياً وخارجياً نحو 13 مليون سوري منذ اشتعال الحرب، ويمثل هذا العدد حوالي 60 بالمئة من سكان سوريا قبل العام 2011، بحسب مركز “بيو” للأبحاث.
تكاليف المياه والبذور
ويحاول أحمد العبود (38 عاماً) أن يستعيد بعض نشاطه الزراعي الذي كان يمارسه في منزله بمدينة كفر زيتا شمال حماة، قبل نزوحه إلى مخيمات دير حسان بعد سيطرة قوات حكومة دمشق على المدينة.
لكنه يعاني من ارتفاع أسعار البذور، إذ يتراوح سعر الكيس الصغير من بذور الكوسى بين 20 و40 ليرة تركية، في حين أن شتلة الباذنجان يبلغ سعرها ليرتين تركيتين (800 ليرة سورية).
ويعاني النازحون في معظم المخيمات الحدودية، شمال إدلب، من قلة مخصصات المياه التي تقدمها المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، إذ أن مخصصات العائلة اليومية لا تتجاوز 500 ليتر، “وهي تكاد لا تكفي للشرب والطبخ”، بحسب سكان في مخيمات دير حسان.
ويضطر مالك الشريف (42 عاماً)، وهو من نازحي ريف حماة الشمالي في مخيم الفداء بدير حسان، لشراء المياه كل يومين، لري مساكب الخضار التي قام بزراعتها بين الخيام منتصف الشهر الفائت.
وقال لنورث برس: “أضطر لشراء المياه نظراً فالمخصصات التي نحصل عليها لا تكاد تكفي حاجة العائلة، بل إنها في بعض الأحيان وخلال فصل الصيف لا تكفي المنزل أيضاً، لذلك أقوم بشراء المياه لسقاية شتلات البندورة والباذنجان، إضافةً إلى بعض الأزهار للزينة.”
خضرة وزينة
وكان “الشريف” مزارعاً قبل نزوحه إلى المخيمات” لكن الأمر مختلف الآن، أصبحنا نزرع مساكب صغيرة لا تتجاوز مساحتها مترين مربعين.”
وتوفر النباتات الموزعة بين الخيام منظراً جميلاً، بحسب رأي “الشريف”، فهو يطمئن لنظافة الخضار وجودتها حين يزرعها بنفسه، وسط أمله في أن توفر له جزءاً من الاحتياجات عندما تكون أسعارها مرتفعة في الأسواق.
أما حليمة البكور (38 عاماً)، وهي من نازحي ريف إدلب الجنوبي، فأنشأت أحواضاً إسمنتية من الحجارة والإسمنت للزراعة أمام خيمتها مباشرة، لزراعة أزهار ونباتات زينة.
وقالت إنها لا تكفي لزراعة الخضار، “لكن الحبق والياسمين وبعض أنواع الزهور تشكل منظراً جميلاً أمام الخيمة.”
ويرى نازحون أن هذه المزروعات تساهم ولو قليلاً في تقليل الغبار وتنقية الهواء وتلطيف الجو في مخيمات أنشئت على أراضٍ جرداء بعيدة عن المدن والتجمعات السكانية.