مجمّد ومزوّر.. “الأخضر” يغطّي الرقة ويستنزف جيوب السكان

بدا محمد، وهو اسم مستعار لشاب يبلغ من العمر 30 عاماً، متوتراً أثناء دوامه المعتاد في إحدى مؤسسات الإدارة الذاتية في مدينة الرقة شمالي سوريا. أجرى “محمد” اتصالاً، وبدأ يتحدث بكلمات أشبه بالألغاز، ثم وضع هاتفه على الطاولة وأشعل سيجارة.

تنهد ثم قال: “حسبي الله ونعم الوكيل. لقد وقعت في فخ الدولار المزور.”

وتشهد مدينة الرقة منذ سنوات حالات عديدة لتزوير وترويج العملات، قد ترتقي إلى كونها ظاهرة، حيث وقع تجار وسكان في المدينة ضحيةً للدولار المزور، ما تسبب بخسارة الكثيرين لأموالهم في ظل الانهيار الحاد الذي تشهده قيمة الليرة السورية.

إلا أن غياب الإحصاءات الرسمية وعدم تعليق الأسايش على الموضوع يصعب من عملية الكشف بدقة عن حجم وكمية الأموال التي تم ضبطها حتى الآن.

في هذا التحقيق حصلت نورث برس على شهادات حصرية لضحايا، إلى جانب صرافين عاينوا مختلف عمليات التزوير المتداولة، ولمعرفة طرق وآليات الشبكات انتحل المعد دور راغب بالحصول على العملة وقام بتوثيق المكالمات.

ظاهرة وضحايا

يقول “محمد” إنه يعمل في تجارة السيارات، ويوم أمس، باع سيارة وقبض ثمنها 4500 دولاراً أميركياً.

أودع الشاب المبلغ لدى أخيه لشراء سيارة أخرى، بعد أن اتفق مع مالكها في وقت سابق، لكن الاتصال الأخير الذي ورده كان من أخيه وقد أخبره للتو أن المبلغ يحتوي على سبع قطع مزورة من فئة 100 دولار.

بالرغم من “الورطة” التي وقع فيها إلا أنه ليس الوحيد الذي يقع ضحية عملية تحايل، فهناك العديد من الأشخاص الذين مروا بحالات مماثلة خسروا خلالها مبالغ طائلة.

ويتزامن ذلك مع تحذيرات يطلقها تجار وصرافون حول وجود عملة مزورة تدخل سوريا عن طريق تركيا، ولبنان، حيث تتهم العديد من المصادر، بمن فيها المروجون أنفسهم، حزب الله بالوقوف خلف عمليات الاتجار بالعملة المزورة وتسهيل إدخالها من لبنان إلى سوريا.

يقول صاحب محل صرافة في شارع المنصور بالرقة لنورث برس: “منذ فترة وجيزة أتى أحد جيراني وهو رجلٌ مسن، يحمل قطعة نقدية من فئة الخمسين دولار، وطلب مني التأكد منها بعد أن أثارت شكّه. لقد كانت مزورة بالفعل.”

وبالرغم من تأكيد صرافين على أن فئة الخمسين دولار لا يمكن تزويرها، بسبب كثرة “العلامات المائية” الفارقة التي تميزها، إلا أن مروجي العملة الذين تحدث إليهم معد التحقيق أجمعوا على أن هذه القطعة هي الأكثر طلباً “وتنفد بسرعة من السوق.”

ولا تحتاج عملية العثور على عملة مزورة في مدينة الرقة إلى عناء، إذ ينتشر مروّجوها عبر شبكات منظمة أو من خلال أفراد على معرفة بمروجين، ومعظم العاملين في الترويج، حسبما عاين معد التحقيق، هم من فئة الشباب، الطامحين لكسب ثروة بطرق سريعة.

لدى تواصلنا مع أحد مروجي العملة المزورة، وهو شاب يعيش في مدينة الرقة، عرض علينا قطعة نقدية من فئة 100دولار، مقابل أن ندفع ثمنها خمسين دولاراً أميركياً.

من جهته، يروي “أحمد”، وهو من سكان الرقة: “منذ أقل من عام خرج أحد أقاربي من السجن، وهو عاطل عن العمل، ولكنه خلال ثلاثة أشهر شيّد منزلاً وصلت تكلفته لأكثر من 20ألف دولار. يقول الرجل: “ليس هناك عمل يدر هكذا ربح سوى الإتجار بالعملة.”

ويطلق “أحمد” حكمه بناءً على ما ذكر قريبه الذي أسرّ له أنه تعرّف على مروّج عملة في السجن.

ما هي العلامات المائية؟

تستخدم العلامات المائية في العملات كوسيلة مميزة لها، بعضها ظاهر للعيان وبعضها يحتاج إلى ملاحظة ودراسة أو مكبرات، ويختلف عددها من ورقة نقدية لأخرى.

حميد الغانم (37عاماً)، يملك محلاً لصرف العملات في شارع المنصور قال إنه ليس بحاجة لاختبار العلامات المميزة في القطعة النقدية، لأنه أصبح “يميزها بمجرد احتكاكها بيد الزبون.”

ويستشهد “الغانم” بموقف حصل معه، “ذات مساء، وأثناء انقطاع التيار الكهربائي أتاني أحدهم وأعطاني مبلغاً كي أقوم بصرفه، وأثناء العد أخرجت قطعة نقدية مزورة من المبلغ.”

ويختبر جاسم الربيع، وهو اسم مستعار لصراف في الرقة، قطعةً من فئة 100 دولار في طبعتيها القديمة والجديدة “الليزرية”.

يخرج جاسم مكبرته، وقطعة نقدية ليكشف لنا مكان الصليب في المصباح بالطبعة القديمة والرقم 100 المرسوم داخل الصفر، والذي لا يمكن تمييزه بالعين المجردة، ثم يقوم بفرك العلامة الخضراء (الدمغة) على ورقة بيضاء.

يُخرج الصراف تالياً 100 دولار “ليزري” (كما يطلق عليه محلياً)، مشيراً إلى أنه “يمكن رؤية التمويج في الخط الليزري ونفوره.” بعدها أخرج دبوساً ومرره عليها، وقال “هكذا أكشف العملة المزورة.”

وفي مقابلات مع أصحاب محلات صرافة في شارع المنصور، تبيّن أن طرق الكشف تختلف من شخص لآخر، مع ملاحظة أن العديد من الصرافين يجهلون بعض العلامات التي تميز القطع النقدية.

ويتخوف أصحاب محال الصيرفة من إبلاغ القوى الأمنية حال ورود أي قطعة نقدية مزورة إليهم “ما بدي أوقع بسين وجيم” يقول أحدهم، ويضيف: “مؤخراً ألزمونا بوضع كاميرات مراقبة وإلهاء أي شخص يحاول تصريف عملة مشبوهة ريثما يصلون.” ويقصد قوى الأمن الداخلي “الأسايش”.

الطُعم

يروّج تجار عملات لما يُعرف هنا بـ”الدولار المجمد”، هذا النوع من الدولار المطبوع بشكل رسمي، إلا أن أرقامه التسلسلية محظورة في التعاملات البنكية.

ويعود استخدام هذا المصطلح إلى حرب الخليج الثانية بعد الاجتياح العراقي للكويت وعمليات النهب التي طالت المصارف الكويتية، والتي اتهم بها الجيش العراقي، إضافةً إلى شيوعه خلال الحرب على العراق عام 2003.

تحت هذا المصطلح “الدولار المجمّد”، ينشر حساب على موقع فيسبوك يحمل اسم (أحمد الدعور) مقطع فيديو لحِزمٍ من الدولارات ذات الطبعة الحديثة “الليزرية”، ويطلب التواصل معه “لمن يرغب” عبر رقم واتس آب (تركي).

هذا الحساب ليس الوحيد، فثمّة العديد من المروجين للدولار المجمّد على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبمجرد كتابة عبارة “دولار مجمد” في محرك البحث على فيسبوك تظهر عدة حسابات، يشير مكان صاحب الحساب في معظمها إلى تركيا.

https://www.facebook.com/seme.alali.9

https://www.facebook.com/profile.php?id=100049671488545

“الدولار الليبي”.. المجمّد

قبيل إسقاط الرئيس الليبي معمر القذافي، قامت الإدارة الأميركية بتجميد أصول بنوك هذا البلد، بدعوى منع الرئيس الليبي من الاستفادة منها.

وأصدر الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما قراراً يقضي بتجميد أصول البنوك الليبية في عام 2011، في حين كشف البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حينها، عن إصدار ورقة مالية جديدة وذكية (الليزرية) في العام 2013.

يقول صاحب سلسلة مكاتب صيرفة في الرقة إن لديه آلة من طراز”  Proscan P2 ” لعد وكشف الأموال المزورة وأيضاً المجمدة.

ويتباهى أن هذه الآلة قد تكون الوحيدة في السوق، وهو ما يؤكده العديد من الصرافين الذين قالوا لنورث برس إنهم لم يروا مثلها في المدينة.

إلا أن الرجل لا يرى حرجاً في امتلاك العملة المجمدة طالما أنه لا يتعامل مع بنك. ولهذا السبب، لا يُحدّث آلته تقنياً لأنها ستقوم “بحفظ الأرقام التسلسلية لتلك العملة” حسب قوله.

ووفقاً لخبير اقتصادي رفض الإفصاح عن اسمه فإنه “ليس هناك نسبة مئوية محددة يمكن حصر المبالغ المجمدة فيها، هناك نسبة ليست بالقليلة من الدولارات لا تصلح سوى للتبادل المحلي”.

تباين في دقة التزوير

حمل معدّ التحقيق ثلاثة نسخ مزورة من فئة 100دولار، تختلف بحسب جودة الورق والمصدر، وعرضها على صرافين لمعرفة نقاط قوتها وضعفها.

إحدى النسخ “تتسم برداءتها ويمكن كشفها بسهولة” بحسب ما يكشف صرافون، “لأنها محلية الطباعة مصنوعة من ورق عراقي المصدر.”

والنسخة الثانية تتجاوز عمليات فحص بعض العلامات الفارقة (الدبوس والعدادة) ولكنها تفشل أمام فحص الخط الليزري الخالي من التمويج في الطبعة الجديدة للدولار، كما يؤكد الصرّافون.

أما الطبعة القديمة فيقول الصرافون إنها تتجاوز فحص المكبرة لرقم 100 المكتوب داخل الصفرين بينما تفشل بعدم وجود الصليب في المصباح.

ويتفق الصرافون مع مروجي العملة الذين التقاهم معد التحقيق، على أن النسخة الثالثة هي الأكثر دقة، مشيرين إلى أن مصدرها هو لبنان، وعدّوا أن “أفضل طبعة مزورة من هذه الفئة هي الطبعة الجديدة، ومع ذلك تحتاج للقليل من التدقيق والملاحظة لتُكتشَف بأنها مزورة.”

من لبنان إلى سوريا

“أبو حمزة” (لقب لشاب من مدينة الرقة يعيش في لبنان، ويعمل مروجاً للعملة المزورة بين لبنان وسوريا). يتحدث لنورث برس عن طبيعة عمله فيقول: “أتعامل مع شبكة من المروجين في الرقة، يطلبون مني مبالغ مالية، فأرسل المبلغ المتفق عليه مسبقاً، بعد أن أُجري اتصالاً بوسيط سوري الجنسية، وأطلب منه البضاعة.”

“بالمصاري كلشي بيصير” يقول أبو حمزة، لدى سؤاله عن طرق إرساله للبضاعة المزورة، ويكشف أنه يقوم بإرسالها مع سائق سيارة يعمل على خط بيروت – الرقة.

وكما هو حال جميع مروجي العملة، اكتسب حديث أبي حمزة الجدية اللازمة حين أبدينا له رغبتنا بالشراء، حيث بادر بإرسال صورها ومميزاتها ومقاطع فيديو تثبت دقة التزوير.

يدّعي الرجل أنه لا يعرف من يقف خلف عمليات التزوير بشكلٍ شخصي، سوى أنه يكنّى بـ”أبو حسن” ويقيم في منطقة بريتال اللبنانية والتي تخضع لسيطرة حزب الله.

 “يشمه الذيب ويعوّي” يقول الشاب، وهي عبارة يستخدمها أهالي الرقة للإشارةٍ إلى استحالة الوصول للشخص أو الشيء المذكور”.

ويروي بأنه يتواصل مع سمسار (وسيط) يدعى أبو طوني (سوري الأصل)، يلتقي به في بيروت بمكان يحدده السمسار، وغالباً ما يسبق اللقاء بدقائق.

يشتري “أبو حمزة” الدفتر المكون من (عشرة آلاف دولار) مزورة بـ 3400 دولار أميركي أصلية، في حين يرسلها إلى سوريا لتباع بأربعة آلاف دولار.

لا يأبه الشاب بمخاطر الطريق الذي سلكه “لا مكان لمن يخاف في هذا العمل، ومن يفكر في العواقب لا يستطيع فعل أي شيء” على حد تعبيره.

عملة من مناطق سيطرة تركيا

في المقلب الآخر، تشكّل مناطق سيطرة “الجيش الوطني” الموالي لتركيا في شمالي سوريا، مصدراً للعملة المزورة، حيث تدخل إلى مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي البلاد عبر عمليات التهريب.

عبد الله العنزي من بادية دير الزور (كما عرّف عن نفسه)، ويقيم في منطقة شمال شرق مدينة الرقة، ويعمل في تربية الماشية.

لكن عبد الله، يعمل أثناء فترة المساء في تهريب المحروقات لمناطق (الجيش الوطني): “إن شاء الله مفكرنا قاعدين هين مشان هالنعجتين، ما يجيبن علفهن.” كما يقول.

يروي العنزي أنه “في الصيف الفائت اتصل به تاجر لشراء حمولة مازوت، واتفقا على سعرها بـ  2200دولار أميركي، إلا أنهما وبعد تفريغ الحمولة اختلفا على المبلغ المتفق عليه مسبقاً.

يقول: “قام التاجر بدفع 1500 دولار فقط، واضطررنا للقبول تحت تهديد السلاح، لنكتشف فيما بعد أن المبلغ الذي دفعه لنا كان مزوراً.”

الليرة.. “ما عليها عين”

يكشف “محمد” (اسم مستعار) أنه يتجه في هذه الفترة لتصريف عملة سورية مزورة لأنها “ما عليها العين”، وتحقق ربحاً كبيراً في السوق و”تمشي بسرعة”، وخاصة فئة الألفي ليرة كما قال.

وعن طريقة التصريف يقول الشاب إنه يتجه إلى سوق المواشي “البازار”، يشتري أغناماً أو أعلافاً ثم يقوم ببيعها بعد فترة من الزمن ويشتري بثمنها إما ذهباً أو دولاراً أميركياً.

ويحرص الشاب على تصريف المبالغ المزورة في أسواق المناطق البعيدة (كوباني، دير الزور، المنصورة، الجرنية، منبج)، على أن يذهب إلى تلك المناطق لمرة واحدة، ويشير إلى أن دير الزور هي الأكثر تصريفاً لعملته بسبب وجود تجّار المحروقات.

ويبيّن أنه “بمجرد رؤية الزبون للبضاعة سيشتريها ونأخذ منه ثمنها، ولتنفيذ صفقاتي أستأجر شقة أسلم فيها بضاعتي لمرة واحدة، لإبعاد الشبهات ولضمان عدم معرفة مكان سكني”.

ويروي الشاب أنه يشتري العملة السورية من لبنان بسبب جودة الورق المستخدم (الورق القبرصي)، على أن يقوم بعملية أخرى تزيد من دقة التزوير.

يشرح الطريقة التي يستخدمها “أفرش الأوراق النقدية في غرفة، وأقوم برش مثبت الشعر(السبراي)، وبعد أقل من ساعة أقوم بتكرار رش الغرفة بعد قلب الأوراق على الوجه الثاني.”

التزوير يسابق الإصدار

أصدر المصرف المركزي السوري، ورقة نقدية جديدة فئة خمسة آلاف ليرة سورية، في الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، وفور إصدارها نشر المصرف هويّة العملة الجديدة مرفقة بثماني علامات مميزة وتوقيع رئيس حكومة دمشق السابق عماد خميس وتاريخ الإصدار سنة 2019.

ونقلت صحيفة الوطن المقربة من حكومة دمشق في عددها الصادر يوم الخميس 18شباط/فبراير الماضي، عن رئيس فرع الأمن الجنائي بدمشق، عبد العليم عبد الحميد، نفيه لإمكانية تزوير فئة الخمسة آلاف ليرة.

 لكن لأبي حمزة رأيٌ آخر، فورقة الخمسة آلاف ليرة الجديدة “تزورت وبعناها وخلصنا(…)، واستغرق تزويرها خمسة أيام فقط ” كما يقول.

إلا أنه بسبب “قيود التنقل المشددة في لبنان هذه الأيام، لا يمكنني إرسال بعض الطلبيات، أحدهم اشترى 11مليون ليرة سورية، وسأرسلها له من الفئة الجديدة فور انتهاء الحجر” كما يؤكد “أبو حمزة”.

فيما يكشف درويش (اسم مستعار) الذي يملك محل صرافة في الرقة، عن أن القائمين على عمليات تزوير الورقة الجديدة من فئة الخمسة آلاف ليرة، أُوقفوا عمليات تزويرها نتيجة ارتفاع تكلفتها مقارنةً بالقيمة السوقية للورقة.

وينسب الصراف إلى “مصادره الخاصة” قولها إن “تكلفة تزوير القطعة الواحدة من فئة الخمسة آلاف ليرة تعادل 3 دولارات”، ما يعني أنها عملية خاسرة.

بالرغم من ذلك، يؤكد المروجون والمزورون قدرتهم على تأمين أي عملة يمكن أن يطلبها الزبون، و”الشرط الوحيد للقيام بذلك هو شراء كميات كبيرة منها قبل بدء عملية التزوير.”

متوارون عن الأنظار

يتوارى “جاسم” وهو اسم مستعار لشاب يبلغ من العمر 27عاماً، في ريف الرقة، بعيداً عن الأنظار، عقب إلقاء القبض على أحد المروجين وبحوزته خمسة آلاف دولار أميركي.

هذا الأخير اعترف بحصوله على المبلغ المزوّر من “خالد” وهو اسم مستعار لشاب يبلغ من العمر 34عاماً، ويشتري بضاعته من “جاسم”.

ولا زال “خالد” هو الآخر متوارياً عن الأنظار، وإلى الآن لم تتمكن الجهات الأمنية من إلقاء القبض عليه، بعد أن أصدرت هيئة العدالة الاجتماعية في الرقة مذكرتي إحضار بحقه.

وفي الوقت الذي تواصل “الأسايش” البحث عنه، أصدرت هيئة العدالة الاجتماعية في الرقة حكماً غيابياً يقضي بالسجن لمدة 15عاماً بحق “خالد”، كما أكد قاضٍ في الهيئة لجاسم “جماعتي خبروني بقدوم دورية للقبض على خالد، لذلك أبلغته بضرورة هروبه” يقول جاسم، ويضيف: “لا أرغب في أن تخرج الأمور من يدي.. سنجد له حلاً.”

وادّعى جاسم أنه: “يدفع لأشخاص في مراكز سلطة، تربطه بهم علاقات قوية”، فيخبرونه عن تحرك الدوريات، أو في حال ورود شهادة ضده أثناء التحقيق مع مروجين قُبض عليهم، ويقومون بشطب اسمه قبل أن يُرسل محضر التحقيق للمحكمة.

عقوبات مشدّدة

في قانون العقوبات (مرسوم رقم /9/لعام 2016) وفي المادة 118 تحدد عقوبات تزوير العملة في مناطق الإدارة الذاتية كالتالي:

يعاقب بالسجن من 3 سنوات إلى 6 سنوات وغرامة لا تزيد عن مليون ليرة سورية مع مصادرة المواد الجرمية.

كل من:

*زوّر أو قلّد عملة ورقيّة أو ذهبيّة أو فضية متداولة قانوناً أو عرفاً في روجآفا أو في خارجها بقصد ترويجها أو اشتراك وهو على بينة من الأمر بإصدار العملة المقلّدة أو بترويجها أو بإدخالها إلى روجآفا من بلاد أخرى.

*من قلد أو زوّر أوراق نقد أو أوراق مصارف سوريّة كانت أو أجنبية متداولة عرفاً أو قانوناً أو اشتراك وهو على بينة من الأمر بالتقليد أو التزوير.

*وإذا اقتصر عمله على مجرد الترويج فيعاقب بالحبس حتى 3 سنوات وغرامة مليون ليرة سورية ومصادرة المواد الجرمية.

*من قبض بغير علم عملة أو أوراق نقد أو أوراق مالية مزيفة وروجها بعد العلم بها عوقب بالحبس حتى سنة.

*لا عقاب على من روًج عملة مزوّرة أو مقلّدة من دون علمه بأنها مزوّرة.

وفي القانون السوري يعاقب المشرّع على إدخال العملة المقلدة أو المزيفة إلى سوريا، أو إخراجها منها، أو إصدارها (أي التعامل بها) أو ترويجها بالعقوبات نفسها المقررة لجريمة تقليد هذه العملات أو تزييفها.

وتصل العقوبات بحسب المادتين 430-434 من قانون العقوبات إلى الأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاثة إلى خمسة عشر عاماً مع غرامة تصل لمئة ألف ليرة سورية.

وتُشدّد هذه العقوبات بحيث يصبح الحد الأدنى لعقوبة الأشغال الشاقة خمس سنوات وعقوبة الغرامة مائتين وخمسين ألف ليرة سورية على الأقل، إذا كان موضوع هذه الجرائم عملة معدنية من الذهب أو الفضة، أو في حال الترويج للأوراق النقدية أو المصرفية المقلدة.

ويعفى من العقوبة من اشترك في هذه الجرائم وأنبأ السلطة بها قبل إتمامها (المادة 442/1 من قانون العقوبات).

أما المدعى عليه الذي يتيح القبض، ولو بعد بدء الملاحقات، على سائر المجرمين أو على الذين يعرف مخبأهم، فتخفض عقوبته من الأشغال الشاقة لتصبح الحبس من ستة أشهر إلى سنتين (المادتان 442/2 و241 من قانون العقوبات).

“رخاوة” واعتقالات

في حديثه عن كيفية تعاطي الجهات الأمنية في الرقة مع مسألة تزوير العملات والاتجار بها، يستغرب محامٍ طلب عدم الكشف عن اسمه، من إصدار الإدارة الذاتية 3 قرارات عفو شملت متهمين بتزوير وترويج العملات خلال ستة أشهر.

وصدر أول تلك القرارات بمناسبة عيد نوروز2020، وقضى بمنح عفوٍ عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخه، فيما استُثنيت منه جرائم الخيانة وتجارة المخدرات وترويجها، وصدر القرار الثاني في السابع عشر من أيار/مايو، وأما الثالث فصدر في العاشر من سبتمبر/تشرين الأول.

ويشير إلى أن هناك “رخاوة ” في تطبيق الأحكام، على الرغم من وضوح الأحكام في قانون العقوبات، لكل فعلٍ يضر بالفرد أو المجتمع، جنايةً كان أم جنحةً.

إلا أن مسؤولاً في المجلس العام في الإدارة الذاتية، دافع عن موضوع إصدار قرارين للعفو في 2020، والمجلس العام يختص بإصدار القرارات والمصادقة عليها.

وقال المسؤول الذي اشترط عدم نشر اسمه إنه بعد أن أصدرنا قرار العفو الأول، بُلغنا بضرورة إصدار قرار ثانٍ ليشمل أكبر عدد من المحكومين، لا سيما وأن كورونا تفشت بشكل كبير وكان الهاجس الأكبر أن ينتشر بين المساجين.

وحاول معدّ التحقيق الاتصال بالمسؤولين عن الأمن الداخلي “الأسايش” في الرقة للحصول على ردّ حول الاتهامات للجهاز بـ”التراخي” في قمع ظاهرة العملات المزورة وملاحقة القائمين عليها، وأيضاً لمعرفة حجم الظاهرة وعدد المتورطين المطلوبين أو المحكومين بتهمة التزوير والترويج، إلا أنه لم يتلقَ أي رد على تساؤلاته.

وتكتفي الأسايش بين الحين والآخر بإعلان ما تنشره حساباتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من حالات اعتقال لمتهمين بالتزوير والترويج.

وفي الفترة ما بين كانون الأول/ديسمبر 2019 وتموز/يوليو 2020 نشر حساب الأسايش عدداً من حالات الاعتقال لمتهمين بتزوير وترويج العملات بلغت كمية الأموال المضبوطة نحو مئة ألف دولار أميركي مزور، كما نشرت تسجيلات مصورة فيما قال إنها لمتورطين بالتزوير.

تحقيق: أيهم شرقاوي – تحرير: سامي شحرور