لقد انتهى الترقب والتساؤل حول الانتخابات السورية، وذلك بتحديد مجلس الشعب العشرين من شهر أيار كموعد لتصويت السوريين في الخارج، والسادس والعشرين منه لتصويت السوريين في داخل البلد.
الاستحقاقات الدستورية في العادة لا تقتصر على تجديد الولاية للسلطات الحاكمة او استبدالها بغيرها من المعارضة لها عبر صناديق الاقتراع، بل هي المناسبة الأهم لبعث الحيوية والنشاط في الحياة السياسية، وإعادة تقديم القوى السياسية أوراق اعتمادها للشعب عبر برامجها السياسية، وقطع الوعود له بتنفيذها، والتي في ضوئها وعلى أساسها يتم توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لصالح هذه القوة السياسية أو تلك.
هذا ما يحصل، عادة، في الأنظمة الديمقراطية، أما في أنظمة الاستبداد والدكتاتورية فلا مجال سياسي حقيقي مهم، ولا أهمية لرأي الشعب في حكامه، فهم يحكمونه بقوة الغلبة وأدواتها من أجهزة أمنية وعسكرية، قد تكون مغلفة أحياناً، كما هو الحال في سوريا، بهياكل من مؤسسات شكلية لا قيمة لها ولا دور. فنتيجة التصويت في هذه الأنظمة لا تحددها صناديق الاقتراع بل الأجهزة الأمنية، بحسب ما يرغب ويريد الحاكم. وبطبيعة الحال لن يكون الاستحقاق الدستوري الحالي في سورية مختلفاً عن الاستحقاقات السابقة من هذه الناحية على الأقل، فالنتيجة معروفة سلفاً. غير أنه يختلف هذا العام عن الاستحقاقات السابقة في طبيعة الظروف التي يجري فيها، وطريقة إخراجه، والنتائج التي سوف تترتب عليه.
سوريا اليوم تمر في ظروف شديدة التعقيد نتيجة لعشر سنوات من الصراع فيها وعليها، فهي موزعة إلى مناطق نفوذ دولية تتقاسمها أميركا وتركيا وروسيا وإيران وإسرائيل، وإن السوريين في مناطق النفوذ الأميركية والتركية والإسرائيلية لن يشاركوا في الانتخابات الرئاسية في الأغلب الأعم، هذا يعني عدم مشاركة الناخبين من نحو ستة ملايين سوري يقطنون في هذه المناطق. وحتى في مناطق النفوذ الروسية والإيرانية أي مناطق سيطرة النظام ثمة شكوك جدية حول كثافة المشاركة في الانتخابات، خصوصاً في محافظتي درعا والسويداء وأرياف دمشق وحمص وحماة وغيرها من المناطق التي شهدت دماراً واسعاً في بناها الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية. وإذا أضيف إليهم نحو ستة ملايين سوري في مخيمات اللجوء والمهاجر، يمكن القول أن المجمع الانتخابي السكاني لن يزيد عن نحو ثمانية ملايين، يقطنون في الساحل السوري وفي دمشق ومراكز المدن التي تحت سيطرة النظام.
ومن ناحية طريقة إخراج الاستحقاق الدستوري يلفت الانتباه عدد المرشحين لمنصب الرئيس الذي وصل إلى واحد وخمسين مرشحاً، في حين أن عدد أعضاء مجلس الشعب لا يسمح بأكثر من سبعة مرشحين على افتراض أن كل خمس وثلاثين عضواً منهم منحوا أصواتهم لمرشح واحد وهذا مستبعد. فالبعثيون وعددهم مئة وتسعة وستون عضواً سوف يمنحون أصواتهم بالتأكيد للرئيس الحالي، والباقون وعددهم نحو ثمانين عضواً يمكنهم أن يؤمّنوا أصواتاً لمرشحَين اثنين فقط. بكلام آخر ثلاثة فقط من المرشحين سوف يتم اعتمادهم قانونياً كمرشحين في الانتخابات القادمة في العشرين والسادس والعشرين من شهر أيار القادم. وإذا استثني المرشح بشار الأسد، فإن التفضيلات بين المرشحين الخمسين الآخرين ضعيفة بحيث يصعب الاختيار بينهم، مع ذلك ولزوم الإخراج فقد قبلت المحكمة الدستورية العليا مرشحاً من شمال حلب من بلدة أعزاز وهو وزير دولة سابق عبد الله سلوم عبد الله الذي ينتمي إلى حزب الوحدويين الاشتراكيين، ومرشحاً من ريف دمشق هو المحامي محمود أحمد مرعي الذي شغل عضوية المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي العربي الذي يقوده السيد حسن عبد العظيم قبل انشقاقه عنه، وهو محسوب على المعارضة الداخلية رغم صلاته المعروفة بأجهزة النظام.
إذاً نتيجة الانتخابات معروفة سلفاً وهي إعادة التجديد للرئيس الحالي، والنتائج المترتبة دولياً على هذا التجديد تكاد تكون معروفة أيضاً. فالدول الغربية وأميركا وتركيا عبروا عن مواقفهم مسبقاً بأنهم لن يعترفوا بنتائج الانتخابات في حال جرت وفق الترتيبات المعتمدة الحالية، ما يعني استمرار عقوبات هذه الدول على سوريا. ولن يختلف كثيراً موقف الدول العربية الخاضعة لنفوذ الدول الغربية من إعادة انتخاب الرئيس الحالي، فهي لن تنفتح على سوريا وتعيد علاقاتها معها بما في ذلك الموافقة على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية إلا في سياق أشمل لتسوية مشكلات المنطقة، وخصوصاً مشكلة تطبيع العلاقات مع إيران. حتى الدول الحليفة للنظام بما فيها روسيا وإيران التي تدعم انتخاب الرئيس الحالي، لن يتغير موقفها كثيراً لجهة دعمه سياسيا، لكن ثمة شكوك جديدة حول إمكانية دعمه اقتصادياً ومالياً مما يعني استمرار معاناة السوريين.
بكلام آخر سوف تستمر مواقف جميع الأطراف الدولية المتدخلة في الأزمة السورية دون تغيير يذكر، بانتظار بلورة الاستراتيجية السياسية للإدارة الأميركية الجديدة تجاه المنطقة. وعلى ما يبدو من تصريحات بايدن ووزير خارجيته فإن هذه الإدارة تتجه نحو تسوية مشكلات المنطقة، لكي تتفرغ لمواجهة التحديات في جنوب شرق أسيا، وعلى وجه الخصوص التحدي الصيني، وهذا سوف يكون موضوع مقالتنا القادمة .