أخصائيون في السويداء يطالبون الحكومة بإعادة آثار “مجهول مصيرها” تم نقلها قبل أعوام

السويداء – نورث برس

طالب أخصائيون في علم الآثار في مدينة السويداء، جنوبي سوريا، حكومة دمشق بعودة المقتنيات الأثرية التي تم نقلها من متحف السويداء قبل ستة أعوام، وسط العديد من التساؤلات حول مصيرها واحتمالية أن يكون تم بيعها.

وفي نيسان / أبريل من عام 2015،  نقلت حكومة دمشق مقتنيات أثرية وتماثيل تعود إلى العهود النبطية والرومانية والبيزنطية من متحف السويداء الأثري الحكومي إلى جهة “غير معلومة”.

وجهة غير معلومة

وأسند مهتمون بالشأن العام ونشطاء مدنيون وأخصائيون في علم الآثار نقل تلك المقتنيات الأثرية إلى خوف حكومة دمشق من خروج السويداء عن سيطرتها دون الاستفادة من تلك الآثار والتي قدروها بملايين الدولارات الأميركية.

ووفقاً لأخصائيون في علم الآثار بالسويداء فإنه من ضمن المقتنيات الأثرية التي تم نلقها عشرة تماثيل من البرونز تعود إلى العهد الروماني  وثلاث لوحات من الفسيفساء الجميلة النادرة والتي تمثل مشاهد أسطورية إغريقية.

وكذلك مجموعة هامة من النقود الذهبية والبرونزية والنحاسية، يعود تاريخها إلى عصور العرب الأنباط والعهود الرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية.

وعام 1990 بني متحف السويداء، ويتألف من قبو وطابقين وفيه عدة أقسام تحوي معارض أثرية كل حسب تاريخه الزمني وكان قبل الحرب السورية يضم  المئات من أهم اللوحات الأثرية الرومانية والبيزنطية التي تم اكتشافها في السويداء.

وقال رواد القاسمي (56عاماً) وهو اسم مستعار لأحد المسؤولين الحكوميين السابقين والذي كان يعمل لدى دائرة الآثار، “أبلغنا في مديرية الآثار عبر كتاب ورد إلينا من أحد الجهات الأمنية داخل السويداء بضرورة نقل جزء من الآثار إلى أماكن أكثر أمناً.”

وفي اليوم التالي من ورود التبليغ الأمني، توجهت سيارة أمنية إلى متحف الآثار وطلبت من أمين المستودع داخل المتحف بتسليمها قائمة من الموجودات الأثرية وفقاً لموافقة مديرية آثار دمشق وذلك لنقلها دون تحديد الوجهة في ذلك، وفق لما ذكره “القاسمي”.

بيع وتهريب

واعترض حينها عدد من الموظفين في دائرة الآثار بالسويداء على نقل تلك الآثار خارج السويداء، مطالبين محافظ السويداء آنذاك عاطف النداف “بعدم العبث في الآثار.”

وقد وعد محافظ السويداء المطالبين بتبيان الأمر ولكن لم يفعل شيئاً، حسب قول” القاسمي”.

وقال راجح الخوري (50عاماً) وهو اسم مستعار لمهتم بتاريخ الحضارات التي تعاقبت على الجنوب السوري ومن رواد متحف السويداء إن التعتيم الحاصل على مصير المقتنيات التي تم نقلها، يثير العديد من التساؤلات “حول مصيرها واحتمالية أن يكون تم بيعها عبر قادة أمنيين حكوميين متنفذين لهم باع طويل في تهريب الآثار خارج البلاد.”

وأضاف: “أو الاحتفاظ بها في أماكن مجهولة  للتصرف بها في حال رحل بشار الأسد عن السلطة.”، داعياً المجتمع الأهلي والمدني إلى زيارة المتحف والإلحاح على معرفة مصير تلك الآثار.

واعتبر “الخوري” أن “ما يتنعم به الآن في فرنسا من ثروة طائلة، جزء كبير منها يعود إلى الاتجار بالآثار والدفائن التي تم استخراجها من السويداء وعموم سوريا في ثمانينيات القرن الماضي.”

ورأى أن “نهب الآثار والكنوز الدفينة وسرقتها من قبل السلطة القائمة ليست بجديدة العهد، بل تعود جذورها إلى بداية استلام حافظ الأسد السلطة في سوريا.”

واتهم “الخوري” رفعت الأسد، شقيق الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، بنهب الثروات الأثرية الحضارية والتاريخية من الجنوب السوري وخصوصاً السويداء، ونقلها إلى خارج سوريا وبيعها.

ردم الآثار

وبعد مرور ست سنوات، لم يتم استرجاع أي من المقتنيات التي تم نقلها إلى متحف السويداء، بحسب سميح الخالدي (55عاماً) وهو اسم مستعار لأحد المسؤولين الحكوميين في مديرية الآثار والمتاحف بالسويداء.

وعلل المسؤول الحكومي نقل تلك الآثار بالقول، “حكومة دمشق حينها ارتأت أن السويداء غير آمنة وقد يتعرض المتحف إلى السرقة.”

ولكنه استدرك بالقول إن السويداء في ذلك التاريخ كانت من أكثر الأماكن أمناً في سوريا، حين كانت الحرب مستعرة حول دمشق، مشيراً إلى أنه قد يكون تم نقلها إلى الساحل السوري دون تأكيدات منه بذلك.

وحالياً لا يتوافد إلى المتحف سوى “القليل القليل من المهتمين بالآثار جراء الإهمال الحكومي له من الناحية الإعلامية وإبقاءه في طي النسيان،” بحسب “الخالدي”.    

ولا يستغرب رحيم العارف (52عاماً) وهو اسم مستعار لأحد أعضاء جمعية “العاديات” التراثية في السويداء من اختفاء وبيع اللقى الأثرية من متحف السويداء.

 “فالسلطة السورية وأجهزتها الأمنية  لها باع عريق في طمس معالم الحضارة الإنسانية التي مرت على السويداء وعدم المحافظة  على  آثار تلك الحضارات.”

وأشار “العارف” إلى أن شق الطرق الحديثة فوق معالم أثرية تعد الأبرز في السويداء والعلامة الفارقة في فضح الإهمال الحكومي الصارخ بحق أهم الكنائس الأثرية والمسارح الرومانية والتي تعد من أهم ما تم اكتشافه عام 1997.

وتم ردمها أثناء تنفيذ الطريق المحوري الحالي في مدينة السويداء والذي سمي بطريق الباسل.

ورأى عضو الجمعية أنه يجب مقاضاة حكومة دمشق دولياً وعبر منظمة الإسكوا الثقافية في تعريض آثار الحضارات في المنطقة الجنوبية إلى “عمليات نهب منظمة وسرقات طالت مواقع وأوابد أثرية وطمس معالم الكثير منها  تحت مرأى وإشراف الحكومة وأجهزتها الأمنية.”

إعداد: سامي العلي – تحرير: سلاف علي