دعوة مدير في الأوقاف الحكومية لتوزيع صدقات على المعلمين تفتح ملف معاناتهم

دمشق – نورث برس

أعادت تصريحات مسؤول في الأوقاف معاناة المدرسين والعاملين في سلك التربية إلى الواجهة، ما جعل مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي يتناولون الأمر من زاوية التندر والتذكير بحال السوريين وسط الأزمات المعيشية.

وأمس الأربعاء، نفت وزارة الأوقاف صحة بيان أجاز إعطاء الزكاة لموظفين الحكومة، نُسب لمفتي دمشق وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

واكتفت الوزارة، عبر منشور في حسابها الرسمي على موقع فيسبوك، بالقول إن البيان “مزور”، دون الخوض في صحة الفتوى أو عدمها.

وقبل أيام، دعا خضر شحرور، وهو مدير أوقاف ريف دمشق، عبر قناة سما التابعة للحكومة السورية، إلى توزيع الصدقة على المعملين والمدرسين.

ولا تمنع التعاليم الشرعية الإسلامية جواز الصدقات والزكاة على أي محتاج مهما كان عمله، إلا أن تركيز البرنامج التلفزيوني على المعلمين وموظفي الحكومة أثار التعليقات الساخرة وحفيظة الأوقاف.

وضع مزرٍ

واعتبر الشيخ خضر شحرور، في البرنامج التلفزيوني “أنت تسأل والإسلام يجيب”، أن المعلمين والمدرسين في سوريا من أكثر الناس الذين تجب عليهم الصدقة.

وقال في معرض سؤال على أحد المتصلين عمن تجب عليهم الصدقة: “يجب التركيز الكامل على المدرسين في مدارس التربية لأنهم فقراء ومحتاجون ورواتبهم قليلة.”

ورأى متابعون أن كلام الشيخ دليل على الحال “المزرية” التي وصلت إليها هذه المهنة، في وقت أصبح المعلمين بحاجة للصدقات من غيرهم.

واعتبرت باسمة الحاج (28 عاماً)، وهو اسم مستعار لناشطة مدنية، أن كلام شحرور “يعكس حالة المعلمين الذين يقومون بتعليم الأجيال والذين من المفترض أن يكونوا مُثُلاً عليا.”

وقالت لنورث برس: “وسط تسلط المسؤولين وفسادهم يعاني المعلمون من الجوع والفقر بصمت.. والشيخ شحرور مشكور لتسليط الضوء على هذه الشريحة المنسية في المجتمع.”

لكن هيثم إبراهيم قال ، في تعليق عبر فيسبوك متندراً، إنه “يجب جمع التبرعات والصدقات في المدرسة لكن ليس أمام الناس حرصاً على مشاعرنا فيما يقوم المدير بتوزيعها على المدرسين بالتساوي وحسب القدم الوظيفي.”

ورد عليه ضياء محمود قائلاً:” هل تريد أن نزعل من بعضنا الآخر.. أنا شاب وأريد تأسيس نفسي”، في إشارة مازحة إلى أن مسألة القدم الوظيفي لم تناسبه.

وتشهد مناطق الحكومة السورية أزمات متعددة من نقص للمحروقات والخبز والمواد الأساسية الأخرى في ظل تردي الوضع المعيشي وانتشار فيروس كورونا.

وقالت رشا بديع، وهي مدرسة في سلك التربية، في تعليق آخر عبر فيسبوك: “نحن كمعلمات لقد كنا محسودين لدينا راتب شهري ونعطّل في الصيف. أما الآن فتجوز علينا الصدقة…”

رواتب متدنية

وفي آذار/ مارس الماضي، قال منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارك لوكوك، في إحاطة له لمجلس الأمن إن أكثر من 13 مليون شخص في سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.

ويبلغ راتب المدرس في مناطق الحكومة السورية قرابة 60 ألف ليرة سوريا أي ما يعادل أقل من عشرين دولاراً أميركياً.

ويقول مدرسون إنهم يضطرون لدفع الرواتب التي يتقاضونها كأجرة المواصلات في ظل أزمة النقل وتوقف عدد كبير من ميكرو باصات “السرافيس” النقل الداخلي على العمل على الخطوط الرابطة بين أحياء دمشق.

واضطر إيهاب سلامه (47 عاماً)، وهو اسم مستعار لمدرس مقيم في منطقة الفحامة وسط دمشق، مع عدد من زملائه لاستئجار تكسي يقلهم بشكل يومي إلى المدرسة التي يدرّس فيها بحي التجارة بدمشق.

وقال: “يومياً يقوم كل أحدٍ منا بدفع ألفي ليرة لقاء توصيلنا المدرسة وإعادتنا للمنزل فيما بعد أي أن جل ما نتقاضاه من الراتب نقوم بصرفه كأجرة طريق.”

ورأى سلامه أن تصريحات شحرور التي أثارت جدلاً واسعاً “نابعةً من الواقع، فالمدرسون باتوا في حالة مادية مزرية ومن الواجب مساعدتهم حتى لو أن هذا الأمر لا ينسجم مع القيم التربوية والاجتماعية.”

أعمال إضافية

ويلجأ المدرسون والموظفون في مناطق سيطرة الحكومة السورية إلى الأعمال الإضافية خارج أوقات دوامهم لتغطية نفقات عائلاتهم وسط الأزمات المتعددة.

ويعمل عصام خالد (43 عاماً)، وهو اسم مستعار لمدرس لغة عربية في مدرسة بمنطقة الزاهرة بدمشق، كسائق تكسي بعد إنهاء دوامه في المدرسة.

ورغم أن عمله الإضافي يكون غالباً بعيداً عن حي الزاهرة وأنظار طلبته وزملائه، يقول إنهم حتى لو لمحوه لا لن يشعر بالحرج لأنه ليس مخالفاً لشرف المهنة طالما يقوم بعمله في التدريس “بكل إخلاص.”

وقال “خالد”: “وسط هذه الظروف الصعبة بات الحفاظ على مصلحة أبنائنا الطلاب تحدياً يجب التغلب عليه حتى لو كان ذلك على حساب راحتنا.”

وأضاف “قيام بعض المدرسين والإداريين بأعمال تنافي القيم التربوية كتلقي الرشوة من الطلاب مقابل إنجاحهم أو غض النظر عن مخالفات بعضهم كالتدخين وأمور أخرى، يجعل التعليم في خطر.”

إعداد: وحيد العطار – تحرير: محمد القاضي