دمشق ـ نورث برس
باع عادل مهنا (55 عاماً) وهو مربي أبقار من منطقة سهل الغاب بحماة وسط سوريا، مصاغ زوجته واستدان نحو نصف مليون ليرة سورية حتى اشترى بقرة ليربيها ظناً منه أنه سيتمكن من رد هذا المبلغ عندما تبدأ بالإنتاج، وسترفد دخله بمبلغ يومي بشكل منتظم.
لكنه في النهاية اضطر لبيعها لأن تكاليف تربيتها من أعلاف وأدوية أصبحت أكثر من إنتاجها، وتساءل “مهنا”، “كيف يمكن لحكومة تهتم بحالة المربي أن تترك المربين لمصيرهم، وأن يكون سعر لتر الكولا أو الماء أغلى من سعر كيلو الحليب؟.”
وظلت الشكوى تتكرر مع الارتفاع الكبير في أسعار العلف، حتى اضطر الكثير من المربين للتخلص من الأبقار التي يربونها رغم أنها كانت مصدر دخلهم، ولكن ارتفاع تكاليف تربيتها دفعهم لذلك.
هذا الحال نتج عنه نقص في كميات الحليب، تم تعويضه باستخدام الحليب المجفف، حتى ارتفعت أسعار المجفف مع ارتفاع سعر الصرف ولم يعد مجدياً.
اختلف الحال بعد رفد القطيع بأبقار مستوردة، حيث قال معنيون في الجمعية الحرفية لصناعة الألبان والأجبان ومشتقاتها في دمشق إن وضع الألبان ومشتقاتها مطمئن وكمياتها متوافرة، وأسعارها مقبولة، حيث قطعنا العاشر من رمضان وما زالت الأسعار ثابتة.
وأشار مصدر في مديرية الأسعار في وزارة التجارة الداخلية، إلى أنهم اجتمعوا في الدائرة لدراسة البيان السعري والتكلفة، بعد دراسة الأسواق ليتم تثبيت السعر.
وبيَّن أن سعر كيلو الحليب يتحرك ارتفاعاً وانخفاضاً تبعاً لأسعار الأعلاف المرتبطة بالدولار، وباستثناء ذلك لا علاقة لصناعة الألبان بسعر الصرف، وعندما يتم تأمين الأعلاف للمربين لا يكون عندهم خسائر، وتنخفض الأسعار.
وأضاف مصدر في الجمعية الحرفية للألبان، أن كلفة إنتاج كيلو الحليب من أرض المزرعة تصل إلى نحو ألف ليرة، وشدد على أن هناك تكاليف عالية ناتجة عن تكاليف النقل المرتفعة بسبب نقص المحروقات.
وعن كميات الإنتاج المتوافرة في الأسواق شدد المصدر، على أن الكميات متوافرة من الألبان ومشتقاتها من الجبنة واللبنة أكثر من الطلب، وأنه في السابق كان يتم ترميم النقص في الحليب عن طريق الحليب المجفف المستورد.
ولكن حالياً أصبح الوضع أفضل، بعد ترميم النقص الكبير في أعداد القطيع من الأبقار، حيث تراجع عدد الأبقار في سوريا من 6 ملايين رأس بقر قبل الحرب إلى أكثر من مليون رأس خلال سنوات الحرب.
وترجع أسباب تراجع عدد الأبقار إلى الموت في مناطق المعارك، أو الأمراض التي انتشرت كمرض الجدري، والأهم التخلص من الأبقار بسبب صعوبة تأمين الأعلاف الناتجة عن ارتفاع أسعارها إلى أرقام كبيرة تفوق قدرة المرابين.
وقال عماد شاهر (60 عاماً) وهو مربي أبقار من منطقة الغاب بحماة، إن ارتفاع أسعار العلف كان بمثابة الضربة القاصمة لتربية الأبقار، لأن أسعاره مرتبطة بالدولار.
وأضاف: “كنا ننام على تسعيرة ونستيقظ في اليوم التالي على أخرى أعلى، حيث ارتفع سعر كيس العلف في يومين من 60 ألاف ليرة، إلى 70 ألاف ليرة، ثم 80 ألف بينما أسعار الحليب لم تكن تُجاري هذه التسعيرة.”
ولذلك أصبحت تربية الأبقار أمراً غير مجد، سيما وأن كل كيلو من العلف لا يعطي أكثر من 2 كيلو حليب، وهذا يعني أن تكلفة كيلو الحليب أكثر من تسعيرته في بعض الفترات السابقة، بحسب “شاهر”.
وأضاف المربي أن الدورة العلفية التي توزعها الوحدات الإرشادية من مواد علفية “غير كافية، وأن الاعتماد على تأمين العلف عن طريق العشب الأخضر أيضاً غير ممكن لأن هذا يحتاج إلى نقله على الدراجات أو الآليات الزراعية وكلها تحتاج إلى محروقات غير متوفرة ومرتفعة الثمن.”
وفي السابق كان قسم كبير من الأعلاف ينتج محلياً، ولكن خلال سنوات الحرب خرج أكثر من 73 مركزاً للأعلاف من الخدمة من أصل 123 مركزاً.
وخرجت مراكز تجفيف الذرة الصفراء جميعها من الخدمة، وأصبح الاعتماد كبيراً على الاستيراد، وخضعت الأعلاف لتذبذبات سعر الصرف، ومن ثم الارتفاع اليومي لأسعاره.
متوفر بكثرة
خلال حرب العشر سنوات الأخيرة، كان هناك نقص في عدد الأبقار، وشدد المصدر في الجمعية على أنهم رفعوا كتباً لترميم النقص في عدد الأبقار.
وصدرت قرارات سمحت للجميع باستيراد الأبقار حتى مؤسسة الأعلاف فتحوا لها باب الاستيراد ولم يعد هناك مستورد وحيد للأبقار.
ولكن مازالت مشكلة الأعلاف وأسعارها مستمرة حيث يصل سعر كيس العلف إلى 80 ألف ليرة.
ترميم النقص
أعلنت وزارة الزراعة عن الحاجة لاستيراد الأبقار، وطلبوا من القطاع الخاص الاستيراد لتجنب العقوبات المفروضة على الدولة، وطلبوا استيراد 1500 رأس بقر، وأن المطلوب نحو 30 ألف رأس ووضعوا لهم شروط ميسرة كثيراً.
المصدر في جمعية الألبان، شدد على أن هذا الإجراء حسّن في وضع القطيع، وأن الإنتاج تحسن وأصبح هنالك عرض أكثر من الطلب على الألبان ومشتقاتها الأمر الذي تسبب بركود في المبيع مع انخفاض القدرة الشرائية الكبير.
وأشار إلى أن ما يصل إلى أسواق دمشق من الحليب ومشتقاته يصل إلى 200 طن يومياً، ويرى أن الإنتاج غير قابل للتخزين الطويل، فالحليب بعد ساعتين يجب أن يتم تجبينه أو تصنيعه.
وحفظ هذه المواد مكلف أيضاً لأن البرادات التي تستخدم للحفظ تشتغل أكثر الأوقات على المولدات بسبب انقطاع الكهرباء الطويل، وهذا بدوه، يزيد التكاليف.
وأشار المصدر إلى أن الموسم في محافظة حماة ما زال ضعيفاً حتى الآن بسبب نقص المراعي، وأن أسعار الأجبان لم تنخفض بسبب التصدير حيث تصدر الأجبان الحموية المعروفة في العالم إلى دول الخليج.
ويتم تصدير ما لا يقل عن 100 طن من الأجبان يومياً، وهذا لا يحدث أي نقصاً في الأسواق، لذا لا يوجد قرار بوقف التصدير لأنه يؤمن القطع، ولا يؤثر على الأسواق المحلية، بحسب المصدر في الجمعية.
وشددت جمعية اللحوم أكثر من مرة على مشكلة استمرار تهريب العواس إلى كل من العراق، الأردن ولبنان.
غش أزلي
وعن أسباب انتشار ظاهرة الغش في صناعة الأجبان والألبان قال المصدر: إن هناك مراقبة شديدة على الأسواق حالياً ويتم أخذ عينات والمرسوم 8 لحماية المستهلك لا يرحم المخالفين.
وبحسب المرسوم يتم أخذ عينات بشكل مكثف، وقد قامت حماية المستهلك بحملة على الأسواق تم من خلالها التدقيق على تبادل الفواتير وتم سحب عينات لتحليل الأجبان والألبان من سوق باب سريجة في دمشق.