تل البيعة.. تجاوزات على أقدم مواقع الرقة الأثرية

الرقة – نورث برس

يتعرض موقع تل البيعة الأثري (5 كم شمال شرقي الرقة) لتجاوزات عديدة، وليس فقط للإهمال طوال سنوات الحرب الأخيرة، بل وعمليات تنقيب غير شرعية تجري في الموقع.

وتل البيعة الأثري أو ما كان يعرف قديماً بـ(توتول) هو مدينة على تل مرتفع وعلى أطرافه سهول خصيبة، بنيت في الألف الرابع قبل الميلاد، خلال حضارة “أوروك” المعاصرة لحضارات وادي الرافدين القديمة بحسب الكشوفات الأثرية.

واعتبر تل البيعة الأثري ذو الموقع الاستراتيجي من أقدم المواقع الأثرية في الرقة ويقع في أطراف الرقة الشمالية الشرقية على بعد خمسة كم شمال نهر الفرات وثلاثة كيلومترات غرب نهر البليخ.

تنوع حضاري

وفي لقاءً سابق مع نورث برس، قال المؤرخ محمد عزو، إن تل البيعة يضم تنوعاً حضارياً من الحضارات الأكادية والآشورية والميتانية ويكشف عن تنوع أعراق وقوميات سكان المنطقة.

ورغم ارتباط مدينة الرقة وغالبية أثارها بالعصر العباسي إبان تحولها عاصمة للدولة العباسي خلال فترة حكم الخليفة هارون الرشيد، إلا أن القيمة التاريخية لمدينة “توتول” لا تقل أهمية عن المكانة التاريخية لرقة الرشيد.

ومن المواقع الأثرية التي تحويها الرقة السور الأثري وقصر البنات أو قصر العذارى وباب بغداد والتي تعود للعصر العباسي، وقلعة جعبر في مدينة الطبقة (50 كم) غرب الرقة، وأثار الرصافة جنوب بلدة المنصورة (30 كم) غرب الرقة.

ومتحف الرقة الأثري بناء مؤلف من طابقين كان يسمى قديماً مبنى السراي، احتوى على سبعة آلاف قطعة أثرية بالإضافة إلى أكثر من ثلاثة آلاف قطعة موجودة داخل المواقع الأثرية.

وازدادت قيمة الرقة التاريخية مع أعمال التنقيب عن الآثار في تل البيعة في ثمانينيات القرن الماضي، واكتشافات لقى أثرية وبقايا عمرانية، يعود أقدمها إلى عصر “أورك” وصولاً إلى العصر الزنكي ومنها معابد وقصور.

مسؤولية التجاوزات

تبدو حالياً آثار حفر واضحة على التل ولم يتم التعرف على غالبية الجهات أو الأشخاص الذين قاموا بتلك الحفريات، لكن كان النصيب الأكبر للحفر لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على حد قول عبد الغفور الخلف عضو لجنة الثقافة والآثار في مجلس الرقة المدني.

وأظهرت مقاطع فيديو مصورة عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية يحطمون لقى وقطع أثرية، خلال فترة سيطرة التنظيم على مساحات واسعة في العراق وسوريا.

ومعظم الاكتشافات الأثرية في الرقة التي تم التنقيب فيها تعود للعصر العباسي وآثار بيزنطية تم حفظها في متحف مدينة الرقة الذي تعرض للنهب بعد سيطرة فصائل من المعارضة على المدينة عام 2013.

وتحتوي مدينة الرقة على أكثر من 500 موقع أثري مسجل رسمياً، منها تلال طبيعية بنيت فوقها مواقع ومبانٍ أثرية، أو مواقع مغمورة بالتراب أو المياه، وغالبية تلك المواقع شهدت نهباً وعمليات تنقيب غير شرعية بعد العام 2011.

وقام تنظيم “داعش” بحفر عدة أنفاق حول الموقع الأثري والتي كان الهدف منها تحصين المنطقة، وذلك بعد احتدام القتال بين داعش وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وأشار “الخلف” إلى وجود خطط لدى لجنة الثقافة والآثار لإعادة تأهيل المواقع الأثري بما فيها موقع تل البيعة الأثري.

وعملت لجنة الثقافة والآثار خلال الفترة الماضية على تأهيل عدة مواقع أثرية من بينها سور الرقة، وقلعة جعبر بالقرب من مدينة الطبقة، وأزالت اللجنة آثار الدمار من المواقع الأثرية ورممت متحف الرقة.

وأضاف “الخلف” لنورث برس أن معظم التجاوزات التي يتعرض لها موقع تل البيعة في الوقت الحالي يقوم بها نازحون أو رعاة أغنام بنوا خيامهم فوق التل الأثري وعلى أطرافه.

نازحون يخشون ترحيلهم

ويخشى نازحون يقطنون الموقع من خطط الترحيل بحسب ما قالوا لنورث برس، وأضافوا أنهم ضاقوا ذرعاً من ظروف التهجير والنزوح ليضاف لها اليوم ترحيلهم من موقع سكنوه منذ قرابة أربعة أعوام.

وقال عبد الجبار الخالدي (40 عاماً) وهو نازح من قرى ريف حمص الشرقي، إن النازحين اختاروا موقع التل وبنوا خيامهم فوقه، بسبب ارتفاعه خوفاً على الخيام من الأمطار في فصل الشتاء.

ولا يدري “الخالدي” على وجه التحديد أين ستكون وجهة سكان المخيم في حال تم ترحيلهم، لكنه يأمل التريث قبل قرار يزيد من معاناة نازحين وجدوا في الرقة مكاناً أمناً لهم.

وأضاف: “الرقة تحوي الكثير من المخيمات العشوائية، ومن واجب المسؤولين تخفيف أضرار النزوح من خلال تقديم الإعانات الإغاثية والإنسانية.”

إجراءات بعد تجاوزات

شكلت لجنة الثقافة والآثار خلال الفترة الماضية “الضابطة السياحية”, والتي كان الهدف منها إيقاف التجاوزات بحق المواقع الأثرية بعد رصد العديد منها في عدة مواقع.

وعملت اللجنة بحسب عضو لجنة الثقافة والآثار في مجلس الرقة المدني، على تسيير دوريات بشكل مستمر ومكثف لإيقاف تلك التجاوزات وحماية المواقع الأثرية.

وأشار “الخلف” إلى وجود خطط لترحيل النازحين من الموقع الأثري وذلك بالتنسيق بين لجنة الثقافة والآثار ولجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في مجلس الرقة المدني والمعنية بالأمور الإغاثية وأمور النازحين.

وستقوم اللجنة بحسب “الخلف” بإعادة تأهيل الموقع بما يتناسب مع أهميته الحضارية والثقافية للمجتمع في الرقة، وذلك من خلال إزالة آثار التجاوزات وتنظيف الموقع بالشكل الذي يليق به.

إعداد: عمار عبد اللطيف ـ تحرير: معاذ الحمد