سوق المعونات.. مساعدات غذائية مخصصة للسوريين تحت رحمة سماسرة وتجار وموظفين فاسدين
دمشق ـ نورث برس
تشهد شوارع دمشق وريفها ظاهرة انتشار عدد من الباعة على الأرصفة يبيعون علناً ودون رقابة أو مساءلة، مواد وسلع غذائية غير مخصصة للبيع مثل الزيت والبرغل والحمص والعدس وغيرها، حيث أنها جميعاً تحمل شعار برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة WFP)).
وتكمن المشكلة في ذلك، بحسب سكان، “في وقوع المساعدات الإنسانية تحت رحمة سماسرة وتجار وموظفين فاسدين.”
وأدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى مستويات قياسية إلى دفع عائلات في جميع أنحاء سوريا نحو المعاناة من المزيد من الجوع وانعدام الأمن الغذائي العالمي.
وترسل عشرات المنظمات الدولية والإقليمية كميات ضخمة من المساعدات الإنسانية للشعب السوري عبر ممثليها في مناطق مختلفة من البلاد.
ومع أنه من المفترض أن توزع هذه المساعدات مجاناً لملايين المحتاجين، لكن جزءاً مهماً منها يجد طريقه إلى الأسواق والبسطات والمحلات التجارية.
وتتم هذه العملية من خلال سماسرة ووسطاء وتجار عبر موظفين فاسدين في بعض هذه المنظمات ليتم بيعها للسكان بشكل غير قانوني في حين يفترض أن تصل لمستحقيها مجاناً.
سوق معونات
وقال مهند الأسود (٣٣ عاماً)، وهو اسم مستعار لصاحب بسطة لبيع المواد التموينية في الشارع العريض في حي الدويلعة، لنورث برس، إنه يشتري سلة المساعدات الواحدة من سمسار يخرجها من مستودعه، بحجة إتلافها نتيجة تعرضها للضرر أثناء النقل، بمبلغ ٦٠ ألف ليرة سورية.
وأضاف: “أبيع محتويات السلة في البسطة مفرقة وأحقق ربحاً يتراوح بين ١٥ ألفاً و٢٠ ألف ليرة.”
وتلقى المواد الإغاثية التي يبيعها “الأسود” رواجاً بين السكان نظراً لسعرها الزهيد مقارنة بالسلع الأخرى مرتفعة الثمن في الأسواق لأنها غير مستوردة وبالتالي معفية من الرسوم الجمركية وغيرها.
ويلجأ محمد دراويشي (٤٦عاماً)، ويسكن في مساكن برزة، للوقوف بالقرب من مقر توزيع المعونات الإغاثية، ليقوم بشراءها على الفور من بعض المستلمين وبيعها بسيارته في الأسواق والأماكن السكنية المكتظة.
كما يقوم عدد من المستفيدين ببيع مساعداتهم أو تأجير البطاقات المخصصة لاستلامها، لأسباب عدة، كانعدام فرص العمل، وحاجتهم الماسة لدفع إيجارات البيوت التي استأجروها عقب نزوحهم من منازلهم التي تم هدمها.
وتبيع رهف الحكيم (٢٩ عاماً)، وهي ربة منزل مطلقة وأم لطفلين تسكن في حي التضامن، سلتها الغذائية على الفور لتأمين الاحتياجات المعيشية في ظل ارتفاع الأسعار وغياب مصدر الدخل.
وتستلم “الحكيم” كل 45 يوماً سلة غذائية من الهلال الأحمر العربي السوري.
وقالت لنورث برس: “ألجأ لبيع حصتي لعدم حاجتي إليها، لأني أستطيع الحصول على حصة أخرى من المنظمة ذاتها أو من منظمة أخرى تحتوي على مكونات السلة الغذائية ذاتها.”
فساد إغاثي
وفي آذار/ مارس الماضي، أعلن ممثل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ومديره الإقليمي في سوريا، شون أوبراين، أن الأزمة في سوريا تسببت خسائر فادحة للشعب السوري “ففي كل يوم، يدفع بالمزيد والمزيد من السوريين نحو الجوع والفقر، وتواجه الأسر خيارات مستحيلة.”
وأضاف: “بدون المساعدة المستمرة، ببساطة، لن تتمكن معظم الأسر السورية من البقاء على قيد الحياة.”
وقدّر البرنامج في شباط/ فبراير الفائت، أن ما لا يقل عن 12.4 مليون شخص في سوريا، أي 60% من السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي والجوع.
ويمثل هذا العدد ما يقرب من ٦٠٪ من سكان البلاد، ويوجد نحو ١.٨ مليون شخص آخرين معرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي، فقد أصبحت الوجبة الأساسية البسيطة الآن بعيدة عن متناول غالبية العائلات السورية.
وبالتالي تعد المساعدات الإنسانية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي أمراً بالغ الأهمية لمساعدة العائلات التي خسرت كل شيء بسبب تدهور الدخل وزيادة الإنفاق، وتعتمد على هذه الأغذية للبقاء على قيد الحياة.
وتتنوع أشكال حرمان السكان من السلال الغذائية، من “خلل في توزيع المساعدات الإنسانية في بعض المناطق، وتقييد وصول الإغاثة في مناطق أخرى، إضافة لوقوع جزء كبير من هذه المواد تحت رحمة سماسرة وتجار وموظفين فاسدين.”
وفي كل الأسباب السابقة ،النتيجة واحدة وهي “عرقلة أهداف المنظمات الإغاثية وبالتالي حرمان الكثير من السوريين الأكثر احتياجاً من حقهم في الحد الأدنى من العيش.”
وقال تيسير كنوج (٥٦ عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد المسؤولين عن توزيع السلال الغذائية في حي عش الورور، لنورث برس، إن بيع المساعدات يؤثر سلبياً على السكان حيث يحرمهم من المواد الغذائية اللازمة، كما أنها توزع لعائلات ليست في حاجة إليها فتقوم ببيعها.
“في المقابل، توجد عائلات ومناطق ومخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة ولا تصلها المواد الغذائية، وبقيت مهمشة من قبل بعض المنظمات الإغاثية لسنوات لأنها بعيدة عن موقعها”، بحسب قوله
إعانة من جانب آخر
ورغم فساد بعض موظفي المنظمات واستغلالهم المساعدات الإنسانية بغرض بيعها في الأسواق والمحلات والبسطات فإن هذا الجانب كان إيجابياً إلى حد ما للكثير من سكان مناطق سورية نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي بينهم.
ويعمد الكثير من السكان لشراء ما تحتويه سلال المعونات الغذائية لرخص ثمنها مقارنة بالمواد المستوردة.
وقال سامر عبود (٤٤ عاماً)، وهو من سكان تنظيم جرمانا ويعمل في محل لإصلاح الدراجات الهوائية، أنه يقوم بشراء احتياجاته المنزلية كالزيت والبقول والمعلبات من التجار الذين يعيدون بيع المواد الإغاثية بسعر لا يتجاوز نصف المبلغ الذي يحتاجه لشرائها من المحلات الأخرى.