دمشق – نورث برس
لا تنام الأسعار في سوريا يوماً كاملاً، فهي تتحرك صعوداً دون الهبوط بين الساعة والأخرى، ما يشكل ضغوطات على المستهلكين، إذ أن عليهم أن يدفعوا ثمن حاجياتهم وفق تسعيرة الدولار في اللحظة، بينما الدخول بالليرات السورية التي انهارت قيمتها.
هذا الخلل جعل حياة سوريين في دمشق ومناطق سورية أخرى تصل حد الجوع بعدما وصلت نسبة الفقر إلى نحو 90% حسب تقديرات أحد الباحثين الاقتصاديين، وبعدما وصلت نسبة التضخم إلى أكثر من 2000 %، كما ورد في تقديرات المكتب المركزي للإحصاء الحكومي.
قرارات من الحكومة ومرسوم جديد لحماية المستهلك وضبط الأسعار يتوعد بالسجن للمخالفين وعزل لحاكم المصرف المركزي وتغيير في بعض أسعار الصرف، لكن كل ذلك لم ينه مشكلة الغلاء مع مطلع شهر رمضان.
نشرات وأسواق بعيدة
وإلى جانب كل هذا الغليان، ما زالت وزارة التجارة الداخلية تصدر نشرة أسعار غير متطابقة مع أسعار السوق وتجددها بين الفينة والأخرى.
بل أن أسعار المواد في مؤسسات التجارة الداخلية أيضاً ترتفع وتجاري أسعار السوق، وكان الأمر أكثر وضوحاً مع أسعار مواد السلة الرمضانية التي أعلنت عنها وزارة التجارة الداخلية بقيمة 50 ألف ليرة.
فسعر عبوة سمنة (سعة 2 كغ) من نوع “عشتار” مثلاً ضمن السلة الرمضانية من سبعة آلاف ليرة إلى ثمانية آلاف ثم 12 ألف ليرة، وهذا الرقم يمكن أن تجد مثله أو أقل منه في السوق.
تقول خديجة عبد الله، وهو اسم مستعار لموظفة متقاعدة، إن سعر سله رمضان ٥٠ ألف ليرة في المؤسسة الاستهلاكية، وهنالك سلة أخرى قيمتها ٢٥ ألف ليرة، “والأسعار مثل السوق تقريباً.”
وتتساءل: “شو يعني هاد تدخل إيجابي أم تسويق لبعض المنتجين؟”
وتشير “العبدالله” إلى أنها لا تستطيع تأمين احتياجاتها براتبها التقاعدي رغم أنها لا تعيل إلا نفسها، فكيف يصنع أرباب عائلات ومعيلو أطفال.
ولا تجد كل أنواع التسعيرات “الإدارية” المفروضة بقرار من يصغي إليها، فالأسعار الحقيقية في الأسواق لا تهدأ.
ولا يروق الكلام عن الاستغلال للباعة، فيقدمون الكثير من المبررات لعدم تطبيق النشرات الرسمية، ويتساءل بعضهم لماذا نسعر إذا كنا لا نستطيع تطبيق التسعيرة؟
وقال علي الأحمد، وهو صاحب محل مواد غذائية في أحد أحياء العاصمة، إنه تعرض لثلاث مخالفات خلال أقل من ثلاثة أشهر، ولكنه لا يستطيع الالتزام بالتسعيرة أو الإعلان عن الأسعار التي يضطر لتغييرها كل يوم وأحياناً لأكثر من مرة في اليوم.
وأضاف: “سأعود للشراء بأسعار مرتفعة وليس من المنطقي أن أبيع بخسارة!”
“غير قابلة للتطبيق”
وقال أحد تجار دمشق، ممن لديهم اطلاع على حركة عدة أسواق، إن أسعار الصرف “غير عادلة، والتسعيرة المحددة للدولار بمبلغ 1260 ليرة لا يستورد عليها سوى مادتين أو ثلاثة، كالأعلاف ومستلزمات الأدوية، أما بقية المواد المستوردة فيتم تمويلها عن طريق مدخرات التاجر أو الصناعي في الخارج.
ويعتقد التاجر أن تحديد الأسعار “خطأ وغير مطبق في كل دول العالم، لأن لا أحد يستطيع فرض أي سعر، ولكي يتم عمل دائرة أسعار يجب أن يبنوا بناء مؤلفاً من 40 طابقاً، وألف مكتب لكي تنفذ القرارات ونكون متابعين.”
وأضاف التاجر أن ما يزعج في الأمر هو إلزام التجار والصناعيين بتلك الأسعار مع أنها غير قابلة للتطبيق.
ويرى أن المبدأ هو في “زيادة التنافسية”، عندها تنخفض الأسعار، ولا يمكن تخفيض أسعار أي منتج أو خدمة ما لم يكن هنالك تنافسية عالية مع توفر المواد وشفافية ومرونة الخدمات.
كما وتظهر القضية أكثر وضوحاً مع تسعير غرام الذهب، حيث أحجم الكثير من الصاغة عن البيع منذ فرض البنك المركزي تسعيرة اعتبروها “غير منصفة”، فامتنع الغالبية عن بيع قطع الادخار من ليرات وسبائك، لأن نسبة الصياغة فيها محددة، ولا يستطيعون التلاعب بالسعر من خلالها.
نفقات وقفزات أسعار
ويقول تجار أن وزارة التجارة الداخلية تتدخل بتسعيرة كل شيء بدءاً من القميص وليس انتهاء بالسمنة والرز، وتطلب بيانات تكلفة على المواد المصنعة والمستوردة، وهنالك سلع تطلب بيانات تكلفة عليها لكنها تنتهي للأدراج المغلقة.
والبيانات التي يحصل حولها خلاف هي بيانات المواد الغذائية التي يتم استيرادها في بعض الأحيان وفق أسعار مخالفة للواقع سواء أعلى أو أقل نتيجة الخصوصية الجمركية، وهنا تختلف التكاليف والبيانات الخاصة بها، إضافة لاحتساب مصاريف نقل المخلص الجمركي.
وأوجز أحد التجار القصة بأن “وزارة التجارة الداخلية لا تأخذ كل النفقات في الحسبان.”
وقال آخر أن وزارة التجارة الداخلية وجدت أن البيانات التي تسعرها غير مطابقة للواقع، فلجأت إلى رصد أسعار السوق، وبناء عليه تقوم بوضع أسعار محددة على أن لا تتجاوز أسعار البائعين هذا الحد.
وأضاف: “هذا الأسلوب هو اعتراف بأن بيانات التكلفة غير واقعية.”
وأشار إلى أن “بيع قطعة في منطقة الشعلان يختلف عن بيعها في سوق شعبي، فلكل منطقة تكاليف وأعباء مختلفة، وكل زبون يعرف المكان الذي يذهب إليه.”
وقال موظف حكومي في دائرة حماية المستهلك إن سبب الهوة والخلل بين تسعيرة وزارة التجارة الداخلية وأسعار الأسواق هو في طريقة تعديل أسعار الوزارة التي يمكن وصفها بالبطيئة قياساً مع قفزات الأسعار في الأسواق.
وأضاف أن أكثر التسعيرات غير الواقعية هي من نصيب الحليب ومشتقاته واللحوم والخبز السياحي والكعك والفاكهة…الخ.