مُعضلة “تحرير الشام”.. بين المصالح التركيّة والموائمات الخاصة

اسطنبول- محمد الينايري- NPA
الغموض الذي يكتنف السياسات التركيّة إزاء الشمال السوري، والذي يأتي في خطٍ متوازٍ مع اللغط الدائر حول تفاصيل "الآلية الأمنية" وتفسيراتها بين أنقرة وواشنطن، وتهديدات تركيا باللجوء لـ "خيارات خاصة" مع "المماطلة الأمريكية" في هذا الملف، على حدّ التعبير التركي، يُعززه غموضٌ حول موقف تركيا من "هيئة تحرير الشام" التي حاولت أنقرة في وقتٍ سابقٍ احتوائها وإيجاد حلولٍ خاصةٍ بموقفها في الشمال السوري دون جدوى.
مرّت العلاقة بين تركيا و"هيئة تحرير الشام" بمراحلٍ مختلفةٍ ومتذبذبةٍ، بداية من العداوة والتشكيك ووصولاً لمرحلة التنسيق وحتى الدعم التركي، في ظل المصالح المشتركة بين الطرفين. ارتكزت تلك العلاقة بالأساس على التطورات الميدانية والتغيرات بالسياسة الخارجية التركيّة وعلاقات أنقرة بالقوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
وفيما تظل مُعضلة "تحرير الشام" واحدةً من أكثر الملفات إثارة للجدل في ملف الشمال السوري، تدور تساؤلاتُ حول الموقف التركي، وما إن كانت تركيا "لا تريد إنهاء ملف "هيئة تحرير الشام" أم أنّها "لا تستطيع" بالأساس، في ظل موائماتٍ وحساباتٍ خاصةٍ تمنعها عن ذلك.
"تفكيك هيئة تحرير الشام" كان عنواناً تناقلته تقاريرٌ إعلاميةٌ مختلفةٌ بخصوص اتفاقٍ قد تم بين الأتراك والروس مرتبطٍ بهذا الإطار. وتناقلت تقاريرٌ أنباءً عن "ضغط تركي على الهيئة من أجل تفكيكها". وقال مصدر عسكري مسؤول منخرط ضمن صفوف المعارضة في إدلب، رفض ذكر اسمه، في تصريح لـ "نورث برس": "لم تصلنا أي تفاصيل بهذا الخصوص، والوضع على ما هو عليه بخصوص هيئة تحرير الشام والعلاقة مع تركيا حتى الآن". مع تشكيكٍ في مدى استطاعة تركيا القيام بتلك الخطوة، مع استخدامها لهذا الملف كورقة ضغط في حوارها مع القوى الدولية بخصوص الحسم في سوريا، وملفاتٍ أخرى مرتبطة بالسياسة الخارجية التركية.
وأشار المصدر "معلوماتنا تؤكّد أنّه منذ محادثات آستانا الأولى كانت مسألة تفكيك الهيئة وفصائل أخرى، والدخول في مفاوضاتٍ معها بهذا الخصوص مطروحةً بقوةٍ، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، لربما مردُّ ذلك موائمات ومصالح سياسية"، دون أن يُذكر مزيدٌ من التفاصيل بشأن تلك المصالح وأطرافها.

وقت متأخر
تقول المحلّلة والمستشارة السياسية السورية المعارضة الدكتورة مرح البقاعي، في تصريحاتٍ خاصةٍ لـ "نورث برس"، إنه "إذا أرادت تركيا الآن أن تحسم ملف هيئة تحرير الشام، فأعتقد بأنّ الوقت تأخراً كثيراً", وتضيف "المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمعارضة السورية لطالما طالبوا منذ زمن طويل بالفصل بين
الجيش الوطني الحر، وهي قوات مقاتلة باسم المعارضة ومعتدلة وشرعية بالنسبة للمعارضة، وبين المجموعات الإرهابية التي تسلّلت إلى صفوف القتال ضدّ القوات الحكومية السورية لمصالحٍ خاصةٍ بها، ولمصالح دولٍ تدعمها".
"كان يجب أن يتم الفصل منذ زمنٍ طويلٍ، وكان يجب أن يتوقف تمويل هذه المجموعات منذ زمنٍ طويلٍ"، تقول البقاعي, وتكمل "التمويل يأتي لتلك المجموعات من جهاتٍ متعددةٍ، ومن دول متعددةٍ ولولا هذا التمويل والدعم اللوجيستي بصورةٍ خاصةٍ لما استطاعت أن تستمر بهذه القوة في إدلب".وتشير البقاعي إلى أنّ "تركيا الآن باستطاعتها لجم هذه المجموعات الإرهابية؛ لأنّ لديها نقاط عسكرية موجودة في إدلب، تستطيع أن تمنع هذه المجموعات من القيام بعمليات في المنطقة، كما تستطيع أيضاً أن تمنع تهريب السلاح إليهم عن طريق الحدود الطويلة مع إدلب".
وتختتم المحلّلة السياسية المعارضة تصريحاتها لـ "نورث برس" بقولها: "نأمل أن تقوم تركيا بهذا الدور، من أجل استعادة المنطقة عافيتها، ولاسيما أنّ إدلب تؤثر تأثيراً مباشراً على تركيا من خلال الحدود الطويلة معها ومن خلال تواجد اللاجئين والمخيمات على الحدود بين إدلب والشمال السوري وتركيا".

فشل تركي
ومن وجهة نظر المعارض السوري سمير نشار، فإن تركيا لا يمكن أن نقول أنها "لا تريد إنهاء ملف هيئة تحرير الشام"، لكن الأدق أنّها "لا تستطيع إنهاء ذلك الملف بالأساس"، على أساس أنّها "حاولت كثيراً خلال المرحلة السابقة منذ توقيع اتفاق سوتشي وحتى الآن من خلال حوارات ومحاولات إدماجها في الجبهة الوطنية للتحرير أكثر من مرةٍ وفشلت".
وتابع: "عسكرياً لا تستطيع تركيا أن تورط نفسها في صراع مع الإسلاميين المتطرفين، فقد حاولت سابقاً من خلال أحرار الشام والزنكي وتم تحجيمهم وتهميشهم للفصيلين، عدا ما يترتب على الصراع العسكري بين تركيا والإسلاميين من تشويه صورتها وأردوغان بالعالم الإسلامي وانعكاسها على الداخل التركي".
وفي ضوء تلك المعطيات، فإن الشمال الغربي السوري يظل مفتوحاً على سيناريوهاتٍ عديدةٍ، مرتبطةٍ بموقف تركيا من "تحرير الشام" وما إن كانت تستطيع العمل على  تفكيكيها من عدمه، وذلك في الوقت الذي تبدو فيه الهيئة في أكثر مراحلها حرجاً وتواجه ضغوطاتٍ غير مسبوقةً تهدّد باجتثاثها نهائياً من الأراضي السورية، بخاصةٍ مع افتقادها الحاضنة الشعبية.