تنميط المجتمع المحلي في السويداء لصالح توجهات الحكومة
السويداء ـ نورث برس
ومنذ ستينات القرن الماضي، عملت السلطة الحاكمة في سوريا على تنميطٍ ممنهج في كل الحياة السياسية والمدنية في السويداء وسوريا عامة، بما يتلاءم مع توجهاتها في ديمومة بقائها على كرسي الحكم.
وعام 1963، حصل انقلاب في سوريا أو ما يسمى رسمياً بـ”ثورة الثامن من آذار”، وفيه استولت اللجنة العسكرية للفرع الإقليمي السوري حزب البعث على القيادة المدنية في البلد.
ومنذ ذلك الحين، بات العمل داخل المؤسسة الحكومية روتيناً لا إبداع فيه ولا تقدير لأي عمل مميز أو نجاح فردي يمكن تحقيقه داخل منظومة مؤسساتية تعتمد مبدأ الولاء للحزب الواحد والأفراد المتنفذين، بحسب موظفٍ حكومي في السويداء.
قتل محاولات التطوير
وقال سامي رؤوف (52 عاماً)، وهو اسم مستعار لمهندس عمارة يعمل في إحدى المؤسسات الحكومية في السويداء، إن “مبدأ السلطات السورية في إدارة المؤسسات، أطفأ في أنفسنا كل محاولات التطوير والمبادرة والإنجاز.”
ومنذ أكثر من 25 عاماً، يعمل “رؤوف” في قسم التخطيط في مديرية الخدمات الفنية في السويداء.
وأضاف لنورث برس: “طوال تلك المدة لم تتم ترقيتي أو تعزيز موقعي، رغم أنني أعددت خططاً حيوية وتنموية ترفع من سوية العمل الخدمي في السويداء.”
ولكن “للأسف لم تلقَ تلك الخطط أي تشجيع أو دعم، فقط لأني لا أنتمي إلى حزب البعث، وأملك فكراً معارضاً للسلطة.”
كما حال دون ذلك عدم ارتباط “رؤوف” بأي علاقات شخصية بالمتنفذين الحكوميين في السويداء، “كباقي أقراني الذين تولوا مناصب إدارية هامة، بسبب ارتباطاتهم الأمنية التي حققوا من خلالها مكاسب فردية.”
وأضاف: “لم أعد أمتلك الدافع التحفيزي للعطاء داخل هذه المؤسسات المنمّطة والمهمشة للخبرات العلمية.”
وأشار إلى أن كل من يمتلك توجهاً صائباً ضد السياسات الحزبية التي تتبعها الحكومة، “هو بمثابة عدو لها، يجب تحطيمه وتهميشه وظيفياً إلى أقصى حد.”
ولا تكترث الحكومة لكيفية الاستثمار في البلد، ولا تعنيها العقول العلمية على الإطلاق، “فلا تحفيز ولا مكافآت”، بحسب ما قال أحمد اسكندر (56 عاماً) وهو اسم مستعار لمهندس في السويداء.
تهميش واضطهاد وظيفي
وقال “اسكندر” المتخرج من فرنسا: “عندما كنت أعمل في إحدى المؤسسات الحكومية للإسكان في السويداء، واجهت شتى أنواع التهميش والاضطهاد الوظيفي.”
وكان سبب التهميش “هو أنني أبديت رأياً في إحدى الاجتماعات العمالية عام 2003، ينتقد التقصير والفساد القائم داخل أروقة تلك المؤسسة، والسبل العلمية الضرورية للنهوض بالواقع السكني المتهالك الذي تتبناه.”
ولم يكن المهندس، يعلم حينها أن عشرات التقارير الأمنية “قد سطرت في حقي وأرسلت إلي الأجهزة الأمنية، ليتم نقلي بعدها إلى مركز حكومي في منطقة نائية.”
وقال إن قرار النقل، جاء كعقوبة تلقاها من مديره المباشر والذي بررها بدوره بأنه تلقى أوامر من دمشق.
وقدم “اسكندر” استقالته، التي تم قبولها بشكل مباشر، ليتفرغ للعمل الخاص “بعيداً عن العمل الحكومي المنمط والمهمش، والذي يدار بعقلية أمنية وليس مؤسساتية”، على حد وصفه.
تبعية سياسية وفساد
ويعتمد غالبية سكان السويداء على الرواتب الوظيفية، سواء المدنية أو العسكرية، وهو ما يجعل الفرد مرتبطاً بمورد رزق مهدد بالانقطاع في أي لحظة، وغير قادر على الانفكاك عن المنظومة المبنية على الولاءات الشخصية والتبعية.
وقال جمال العلم (٥٥عاماً)، وهو اسم مستعار لباحث وكاتب أكاديمي يعيش في مدينة السويداء، لنورث برس، إن الأجهزة الأمنية الحكومية درجت على فصل المعارضين السياسيين من وظائفهم، ومثلهم المتخلفين عن الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية من الشباب.
وأضاف: “المعروف بحكم القوانين الاقتصادية العالمية أن اقتصاد الوظيفة لا يمكنه أن يبني اقتصاداً تنموياً أو مستقلاً بقدر ما يبني سياسة التبعية والفساد مع الزمن.”
وبسبب تلك السياسة “تجد ظاهرة المخبرين الأمنيين منتشرة بكثافة في مؤسسات الدولة الخدمية بالسويداء، وهم ذاتهم المستخدمين في ترويج الإشاعات وتجنيد غيرهم في مسيرات التأييد، خاصة العاملين منهم في أحزاب الجبهة وحزب البعث”، بحسب “العلم”.