أكاديميون وسياسيون في السويداء يدعون إلى تطبيق اللامركزية الإدارية في سوريا

السويداء ـ نورث برس

دعا أكاديميون وسياسيون من السويداء، جنوبي سوريا، السبت، إلى تطبيق اللامركزية الإدارية في البلاد، على اعتبار أن سلبيات المركزية في إدارة الحكم أوصلت سوريا إلى ما هي عليه اليوم.

وقال مهيب صالحة (62 عاماً) وهو أكاديمي وباحث اقتصادي وسياسي يقيم في السويداء، إن مما لا شك فيه أن الاقتصاد مرتبط بالحالة المجتمعية وبظروف كل بلد.

وأضاف لنورث برس: “طالما أن سوريا بلد متعدد من الناحية الأثنية والدينية ومن الناحية السياسية، فلا بد أن يكون متعدداً بطبيعة الحال من الناحية الاقتصادية أيضاً.”

اللامركزية ضرورة

وأشار إلى أن التعددية والتنوع في سوريا يقتضي التفكير ملياً، في مسألة إحلال اللامركزية الإدارية عوضاً عن المركزية.

وخلال العقود الستة الماضية، ومنذ استقلال سوريا حتى الآن، فشلت المركزية في خلق التنمية “اقتصادياً، اجتماعياً، سياسياً وثقافياً”، بحسب “صالحة”.

وما جعل الحالة السورية تصل إلى ما هي عليه اليوم، بحسب الباحث السياسي، هو “سلبيات المركزية في إدارة الحكم داخل البلاد.”

وشدد على أنه “لو ارتضى السوريون أن يكون نظامهم السياسي والاقتصادي لا مركزياً، حينها كان سيراعي حالة التعدد في المجتمع السوري، ومن ثم وضع هوية اقتصادية وهويات سياسية قائمة على أساس المواطنة.”

ويكون ذلك عبر “الاعتراف المتبادل بجميع الحقوق لكافة مكونات وأطياف السوريين والمتعايشين على أرض واحدة داخل سوريا”، بحسب “صالحة”.

وأضاف: “لو ارتجى السوريون لأنفسهم ومنذ الاستقلال نظام حكم لا مركزي، في إدارة شؤون البلاد لجنبوا أنفسهم ويلات الحروب والاقتتال الداخلي، على نقيض ما يحصل الآن من تشظي سببه استبداد المركز.”

وذكر “صالحة”، أن دستور عام ١٩٢٠، قد راعَ مسألة التنوع داخل المجتمع السوري وطالب بسوريا الفيدرالية، وبسوريا اللامركزية على حد سواء.

وأضاف: “هناك قطع تاريخي مع هذا المشروع الذي بدأ به السوريون بعد استقلالهم عن الاحتلال العثماني.”

وأشار إلى أن الدساتير الأخرى جاءت كي تثبت مبدأ المركزية في الحكم، من الناحيتين السياسية والاقتصادية.

وقال الباحث السياسي والاقتصادي، إن اللامركزية الإدارية، تحتاج إلى حوار ونقاش بين جميع السوريين، ومنه التوجه إلى شكل الهوية الاقتصادية التي سيتبناها السوريين في عقدهم الاجتماعي القادم.

واعتبر أن الحرية الاقتصادية مع العدالة الاجتماعية والتي تضمنها الدولة والمبنية على نظام لامركزي ديمقراطي علماني تعددي، “هي أحد الحلول الأساسية والهامة في التوصل إلى شكل الدولة السورية المقبل.”

تطبيق اللامركزية

وجعل تدخل المركزية في حياة السوريين سواء الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، من الضرورة بمكان تطبيق اللامركزية الإدارية، حتى على المستويين السياسي والأمني، بهدف الخلاص من الحكم المركزي.

وقال يوسف سليقة (٦٠ عاماً) وهو ناشط حقوقي وسياسي من سكان السويداء، لنورث برس، إن “استغلال الموارد الطبيعية في سوريا من قبل المركز خلال المرحلة الماضية، وعدم توزيعها بشكل عادل بين السكان، جعل من اللامركزية الإدارية ضرورة حتمية.”

وتأتي الضرورة من أجل إحداث التنمية التي تحتاجها جميع مناطق سوريا، من كل النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وأضاف “سليقة”، أنه في حال توافق السوريون على تطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية في طريقة الحكم، عليها أن لا تكون مطبقة في مناطق ضيقة والتي تضم أقليات.”

وأشار إلى أنه يجب أن تأخذ شكل الأقاليم، كإقليم الجنوب السوري وإقليم شمال شرقي سوريا وإقليم الساحل السوري وإقليم الوسط السوري وإقليم الشمال الغربي، “حتى لا توظف بطريقة طائفية أو عرقية بغيضة.”

وبنيت اللامركزية الإدارية بالأساس على فكرة التنمية الاقتصادية من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق شروط أمثل للإدارة الديمقراطية.

واعتبر جمال الشوفي (55 عاماً) وهو كاتب أكاديمي وسياسي، يقيم في السويداء، بأن (اللامركزية الإدارية) هي وليدة الدولة الحديثة, في تحسين الواقع الاقتصادي.

وأضاف: “إذا كانت شروط اللامركزية الإدارية تفترض شروط تحسين الاقتصاد وتحقيق العدالة على مستوى الإدارة والديمقراطية في آن معاً، حينها لابد أن تستند على مقومات حوامل اللامركزية الإدارية.”

ارتباط بالهوية

وأشار في سياق حديث لنورث برس، إلى أن اللامركزية ترتبط بشكل عضوي بمفهوم الهوية السورية، ويفترض منها  “تخفيف وطأة الحالة المركزية للنظام الشمولي، أو البدائل الإسلاموية أو الوصاية العسكرية.”

وأضاف: “اللامركزية تبقى ورقة مطروحة للمستقبل السوري في تحقيق شروط ديمقراطية جدية, بعيداً عن تغول النزعات المركزية، وتساعد على تنمية التجربة الديمقراطية، والتي مازالت في طور الأجنة داخل أرحامها.”

وشدد “الشوفي” على أنه سواء وجد حل للمسألة السورية على صعيد المركز، أو لم يوجد، “ينبغي على جميع المناطق السورية المتنوعة، التفكير بشكل جدي في مقوماتها الاقتصادية والاجتماعية ولكن بشرط ربطها بالهوية السورية.”

وأهم شروط اللامركزية، “التكامل الاقتصادي على مستوى البيئة العامة وتطبيق الانتخابات المحلية الحرة على مستوى الإدارات التنفيذية والأمنية مع بقاء القضاء المستقل.”

واللامركزية الإدارية هي نموذج متقدم في إحداث تطور داخل العديد من دول العالم وفي مقدمتها الدول المتقدمة.

وقال بيان طرابيه (٥٨ عاماً) وهو مخرج سينمائي ومسرحي وناشط سياسي من السويداء لنورث برس: “تطبيق اللامركزية في سوريا يجب أن يكون ضمن الشرط الموضوعي الآني، الذي يمكن الوصول إليه سياسياً، في العقد الاجتماعي القادم لسوريا.”

وتساءل: “هل الدولة السورية القادمة سيكون قرارها السيادي مستقل؟، أم ستقبع تحت وصايات دولية متعددة؟.”

كما تساءل أيضاً حول ما إذا سيكون للسوريين “هامش يستطيعون به خلق النموذج السياسي والاقتصادي الخاص بهم، يعيد الحياة الطبيعية داخل المجتمع السوري؟.”

واعتبر “طرابيه” أن اللامركزية الإدارية هي إحدى أهم الحلول المستقبلية لشكل إدارة الحكم في سوريا، ولكن خارج الوصايات والتدخلات الخارجية.

إعداد: سامي العلي ـ تحرير: معاذ الحمد