هكذا تحسنت قيمة الليرة.. تعاف قسري بعد إجراءات بالإكراه

دمشق- نورث برس

بعد أن لامس، لأول مرة، حاجز خمسة آلاف أمام الدولار الأميركي خلال الأسبوع الماضي، عاد سعر صرف الليرة السورية ليشهد تحسناً واضحاً مطلع هذا الأسبوع، وبمستويات متسارعة، دون أن تعلن أي جهة رسمية صراحة عن الإجراءات التي قادت إلى تلك النتيجة. فما الذي جرى خلال أيام؟

وليست المرة الأولى التي يعايش فيها السوريون حالة مماثلة، تراجع متواصل وكبير، يليه تحسن بالسرعة ذاتها خلال أيام، وغالباً تسبق ذلك وترافقه “حملة إعلامية” سواء عبر الوسائل الإعلامية المعروفة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تعاف قسري

الذي جرى مؤخراً، أن السلطات السورية اتخذت عدداً من الإجراءات التي قادت إلى ما يسميه مختص اقتصادي بـ “التعافي القسري” لقيمة الليرة، وسعت تلك الإجراءات إلى خلق “طلب إجباري” على الليرة، وضخ الدولار في السوق، ومن تلك الإجراءات:

تم تقييد سحب الليرة السورية من المصارف، عبر تحديد سقف للسحب اليومي، لا يمكن للعميل أن يتجاوزه.

هذا قلص القدرة على شراء الدولار، إذ أن سحب مبلغ خمسة ملايين ليرة يتطلب خمسة أيام.

في المقابل وضعت الحكومة اشتراطات مالية على الصفقات الأكبر، وأهمها شراء السيارات والعقارات.

وبموجب قرار صادر عن رئيس مجلس الوزراء، فرضت الحكومة دفع مبالغ بالليرة السورية قبل توثيق أي عقد لشراء عقار أو سيارة، أو أرض عقارية.

 وبموجب القرار 28/م. ويجب على المالك أن يسدد عبر القنوات المصرفية مبلغ خمسة ملايين ليرة، في حال بيع سيارة أو عقار، ومليون ليرة في حال بيع أرض عقارية.

يضاف إليها تجميد مبلغ نصف مليون ليرة لمدة ثلاثة أشهر على الأقل.

وبما أن سقف السحب محدد بمليون ليرة، فإن أي عملية شراء يجب أن تمتد إلى خمسة أيام كي تتم، أو أن يتم اللجوء إلى شراء الليرة السورية عبر تصريف الدولار.

أما تجميد مبلغ نصف مليون ليرة في كل عملية بيع، فمن شأنه أيضاً أن يسحب الليرة السورية من السوق لفترة طويلة.

استثمارات آمنة

لكن ذلك كان يتطلب زيادة تنشيط سوق العقارات أو السيارات، وهي التي لم تتوقف أصلاً، إذ أن شراء العقارات والأراضي إضافة إلى اقتناء الذهب كان واحداً من أهم الاستثمارات الآمنة خاصة في ظل انهيار قيمة الليرة.

وقدر أحد خبراء العقارات نسبة الزيادة في الطلب على العقارات بـ 30%، مع الارتفاع الأخير في أسعار الصرف، قابله ارتفاع مماثل على الذهب، قدر نسبته رئيس جمعية الصاغة في تصريحات له بنحو 25%.

وبدا أن الحكومة حاولت استثمار النشاط في سوق العقارات وهي الأكثر نشاطاً، خاصة في حالات تدهور قيمة الليرة، إذ يسارع أصحاب رؤوس الأموال إلى استثمار أموالهم في التجارة الأكثر أماناً وهي تجارة العقارات.

وتزامن قرار إيداع العملة في عمليات بيع العقارات والسيارات مع إجراء آخر سيزيد حركة بيع العقارات في الفترة الراهنة وهو:

إقرار قانون البيوع العقارية في مجلس الشعب، إقرار هذا القانون الذي سيفرض ضريبة حين نفاذه بمقدار 1%، في كل عملية بيع خارج التنظيم، و2% للبيوع داخل التنظيم، والقانون يلزم القضاة بعدم تثبيت عملية البيع قبل إشعار يؤكد تسديد قيمة تلك الضريبة.

يضيف المختص الاقتصادي أن هذا الإجراء سيزيد عمليات بيع العقارات في الفترة التي تسبق نفاذه، لتجنب الضريبة التي ستفرض حين تطبيق القانون.

ولأن القانون لا يشمل عمليات البيع التي تتم قبل نفاذه، سيسعى أصحاب عمليات البيع المتعثرة إلى إتمامها، إضافة إلى أن الحركة التجارية في هذا القطاع ستشهد نشاطا قبل نفاذ القانون، في محاولة لتفادي تسديد الضريبة.

وبما أن سقف السحب اليومي من المصارف محدد بمليون ليرة، سيزيد الطلب على الليرة عبر تصريف عملة مقابلة، وهي الدولار.

 وحتى لو تم الاتفاق ضمنا وخارج القانون بين بائع وشار على التسديد بالدولار، (وهو مخالف بموجب المرسوم رقم 3 لعام 2020)، سيكون على البائع أن يودع خمسة ملايين ليرة في المصرف، حتى لو سحبها في اليوم التالي، (ومع تحديد سقف أعلى للسحب، لن يتمكن عملياً من استرجاعها إلا بعد خمسة أيام) إضافة إلى تجميد نصف مليون ليرة.

تقييد تداول الليرة

وكذلك تم تقييد تداول العملة السورية إذ تم تحديد مليون ليرة سقفاً أعلى للتحويل بين الأفراد، كما تم تقييد سحب التحويلات بسقف أعلى أيضاً محدد بمليوني ليرة، وحتى لو قام عشرة أشخاص بتحويل عشرة ملايين، (مليون ليرة لكل منهم) إلى شخص ما، فإن الأخير لن يستطيع أن يستلم سوى مليونين في اليوم الواحد.

وأبقى المصرف المركزي على سقف محدد للمبالغ المسموح نقلها بين المحافظات (رفقة المسافر) عند خمسة ملايين ليرة، وكل ما يزيد عن ذلك يجب أن يمر عبر مكاتب التحويل أو المصارف.

كل ذلك أدى إلى زيادة في الطلب على الليرة السورية عبر إجراءات قسرية، أضيفت إلى إجراءات سابقة وخاصة تجريم التداول بالدولار، أو بث معلومات عن قيمة الليرة أمام الدولار (بحسب المرسومين 3 و4، لعام 2020 اللذين ضاعفا عقوبة التعامل بالدولار، أو تناقل معلومات تتعلق بأسعار الصرف غير التي ينشرها المصرف المركزي).

وإضافة إلى ذلك، منعت الحكومة مؤخراً استيراد أجهزة الهاتف المحمول، وهو بالمعنى المالي، أحد منافذ استنزاف العملة الصعبة من البلاد.

هل تصمد بعد؟

لكن تلك الإجراءات وحسب المتخصص الاقتصادي لن تصمد طويلا، لأنها تعتمد على القرارات الإدارية في رفع قيمة العملة المحلية، وليس على تعزيزها عبر دعم الإنتاج المحلي، خاصة ما يمكن أن يحل بديلاً عن المستورد، أو الذي يمكن تصديره.

وسجلت الليرة السورية في أسواق دمشق، الأحد، 3.270 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي الواحد، بينما تشير أسعار الاثنين إلى 3.775، بحسب موقع الليرة اليوم.

ويقول المتخصص الاقتصادي إن عملية دعم الإنتاج تعتمد على سرعة تداول النقد في السوق، وليس على تقييده، وإن تلك الإجراءات سيكون لها أثرا سلبي على الإنتاج.

“ومثال ذلك: عندما يبيع تاجر في حلب مثلاً، صفقة لآخر في دمشق قيمتها 20 مليون ليرة، فإنه لن يستطيع أن يحصل على تلك القيمة إلا بعد نحو شهر.”

ويرى أن الإجراءات المتعلقة بتجارة السيارات والعقارات ستؤدي إلى إيقاف ذلك النشاط، واقتصاره على المضطرين فقط.

والأهم هو أن المصارف لا توظف أموالها، أي أنها تدفع فوائد دون أن تأتيها موارد.

إعداد: ريتا علي – تحرير: حكيم أحمد